المزايدة تطيح مشروع تعديل «الآلية»
حكومة الشغور.. ترفض «حليب السباع»
لم تصمد أنفاس «تمام بيك» أكثر من جلستين حكوميتين امتنع عن الدعوة لانعقادهما، «غنجاً ودلالاً»، على أمل أن يتمكن من إقناع شركائه في «طبق» القرار التنفيذي بالتخفيف من حمولة شروطهم التوافقية «الزائدة».
حاول الرجل التلويح بعصا الاعتكاف من دون أن ينطق بمفرداتها، وسعى لاستخدام ورقة «التمايز» بين مواقف مكونات الحكومة، من باب ممارسة الضغط وجرّ الجالسين قبالته إلى قواعد أكثر ليونة… فإذ به يواجه برفض فاقع من «ثلث مسيحي» معطّل، كان يحسب له الحساب، قضى على كل أحلامه «التوسعية».
كُثر من متتبعي مسار الاعتراض السلامي على الآلية الحكومية القائمة، جزموا مسبقاً أنّ رئيس الحكومة سيواجه حائطاً مسدوداً إذا ما خرج صوت مسيحي واحد يسجّل رفضه أو تحفــظه على التعــديل المقترح.
فهذا الصوت اليتيم كفيل بـ «عزف سيمفونية» مزايدة بين القوى المسيحية تحت عناوين «الدفاع عن موقع وهيــبة رئاســة الجمــهورية» و «الخوف من استسهال الشغور في قصــر بعبدا»… وما إلى ذلك من عناوين قد تقــطع الطريــق حتماً على أي محاولة «انقضاض» على الاتفــاق الذي رعــى قــيام الحكومة.
وهذا فعلاً ما حصل. كتلة ثلاثية من ثمانية وزراء وقفت بالمرصاد للمشاورات التي كان يجريها تمام سلام، وأعلنت بالفم الملآن رفضها لأي تعديل. فيما قرر البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي صبّ الزيت على نار الاعتراض داعياً الحكومة وأهلها للتخليّ عن ترفهم الحكومي، والتصرف على أساس أنها حكومة تصريف أعمال، لا أكثر.
من تابع إحداثيات ولادة الحكومة والتفاصيل التفاوضية التي رافقتها حين قرر البيك البيروتي أن يحلّ وأبناؤه محل رئاسة الجمهورية التي اجتاحها الفراغ، يعرف جيداً أنّ هذه الممانــعة لم تــأت من العبث.
يومها، كان الاتفاق واضحاً بين «القابلات القانونية» بأنّ المولود الجديد لن يكون كامل الدسم متمتعاً بكامل أناقته وعضلاته التنفيذية، لا بل سيحتفظ بما «قلّ ودلّ» من الصلاحيات، بفعل الأمر الواقع الذي يمنع عنه «أوكسيجين الرفاهية»، ويحصره في مربع «تسيير» أمور الناس وشؤون الدولة، كي لا يتعطل دولاب الدورة الحكومية، لا أكثر.
يومها أيضاً، جرى الاتفاق على أنّه ليس من الضروري التئام نصاب الحكومة أسبوعياً، إذ ليست هناك حاجة لهذا الاجتماع طالما أنّ المطلوب هو الحدّ الأدنى من القرارات. كما أنّه يمكن الاكتفاء بجدول أعمال «خجول» لا يتضمن إلا ما هو ضروري ومستعجل من البنود. وطبعاً، وفق هذه الحالة، كان التفاهم واضحاً على إحالة كل البنود الخلافية إلى «التقاعد المبكر»، بانتظار بتّ الملف الرئاسي.
غير أنّ الوقائع فرضت نمطاً آخر من التعاطي: صارت الجلسات أسبوعية، لا تكتفي كل واحدة بأقل من سبع ساعات من النقاشات على طريقة البحث في «جنس الملائكة»، فيما جدول الأعمال متخم بالبنود التي تحتاج إلى أيام وأيام من الأخذ والرد، إلى جانب رزمة من المراسيم التي تنتظر تواقيع أصحاب الاختصاص، حيث فتحت شهية الوزراء على الإنضمام إلى «حملة التواقيع»، بعدما كان يتمّ الاكتفاء بتوقيع واحد عن كل فريق.
وما يثير الاستغراب هو موقف رئيس الحكومة بالذات. فالرجل هو الذي هندس بنفسه الآلية القائمة وتحمّس لها وأقنع الجالسين قبالته بها. فإذ به اليوم، وتحت تأثير المزايدة عليه من جانب «أبناء جلده»، ينقضّ على ما «صنعت يداه» تحت عنوان «استرجاع صلاحيات» رئاســة الحكومة بعدما «تفوّق» الأبناء على رئيس الحكومة بقوّة الأمر الواقع.
راح الرجل يتصرف وكأنّ الحكومة المشكو منها تعمل في ظروف عادية لا يشوبها فراغ رئاسي، ولا يحيط بها «غول الشلل». لذلك طالب بتصحيح الإعوجاج الذي رسمه بنفسه، فقط لأنّ هناك من يضغط عليه باسم «استعادة الصلاحيات»، كي يروي الحكومة من «حليب السباع».
بالنتيجة، لم تأت المزايدة السنيّة إلا بمزايدة مسيحية، أطاحت كل مشاريع رئيس الحكومة، وأعادته خالي الوفاض من معركته. مع العلم أنّ عارفيه يؤكدون أنّ الرجل كان مرتاحاً لأداء حكومته التي يعرف جيداً أنّه ليس بمقدورها أن تقدّم أكثر مما قدمته، بفعل القيود التي تكبل يديها.
ولهذا ينتظر الوزراء عودة رئيسهم إلى بيروت ليدعوهم إلى جلسة جديدة لمجلس الوزراء، بعدما اصطدمت دعواته التغيــيرية، بحائــط الخلاف الذي يحول دون الإجماع… وهو شــرّ لا بدّ منه لتعديل الآلية.
الراعي لتصريف الأعمال
طالب البطريرك الماروني بشارة الراعي، الحكومة بممارسة اعمالها «بالتوافق وبذهنية تصريف الأعمال، لا بابتكار آليات تتنافى والدستور، وكأن الفراغ الرئاسي أمر عادي».
وانتقد، خلال قداس الاحد في كنيسة السيدة في بكركي، «مخالفة الدستور والميثاق الوطني وصيغة العيش معا بتعاون وتكامل». وأشار الى ان هذه المخالفة بلغت «ذروتها في عدم انتخاب رئيس للجمهورية منذ تسعة أشهر، وبالتالي في تعثر ممارسة صلاحيات المجلس النيابي، وأعمال الحكومة التي تختلط صلاحياتها الدستورية بصلاحيات رئيس الجمهورية هذه التي تتولاها بالوكالة، ولا مجال لممارستها إلا بالتوافق وبذهنية تصريف الأعمال».
وشدد على ان «الطريق الأقرب والأسلم والأضمن لهاتين المؤسستين الدستوريتين من أجل استعادة مسارهما الطبيعي والدستوري، إنما هو انتخاب رئيس للجمهورية اليوم قبل الغد، ما يقتضي السعي مع ذوي الارادات الطيبة ولدى الدول المعنية والصديقة لتسهيل إجراء هذا الانتخاب».