بعد حوالى اربعة اشهر ونصف من تشكيل الحكومة، وقبل ذلك ما يزيد عن الثمانية اشهر لحل الخلافات على الحصص والحقائب قبل ولادتها، تبدو البلاد اليوم في حال عدم التوازن على الصعد كافة، بل ان الواقع اليوم ووفق مصدر نيابي مطلع، اكثر تأزماً مما كان عليه قبل التأليف، فليس هناك من تقدم في معالجة الملفات التي ترهق البلاد ومعها كل اللبنانيين، باستثناء اقرار مجلس الوزراء لمشروع الموازنة على الرغم من ان المشروع جاء اقل بكثير من المطلوب ومما كان ينتظره المواطن.
فالحكومة الحالية، التي اطلق عليها توصيفات اخراج البلاد من حافة الهاوية التي وصلت اليها خصوصاً على الصعد المالية والاقتصادية والحياتية، وما بين كل ذلك من الهدر والفساد والتهرب الضريبي والجمركي، وانفاق للمال العام لحسابات سياسية ومذهبية، لم تنتج اي حلّ اوحتى اتفاق بين قوها السياسية على وضع تصور لحلول لهذه الملفات او احداها على الاقل، حتى ان المصدر يلاحظ ان كل شيء ما زال يدار داخل الحكومة على قاعدة 6 و6 مكرر، وبالتالي قاعدة توزيع الحصص والمغانم، فيما حال البلاد ومعها اللبنانيين متروكة في «مهب الريح».
ويتوقف المصدر النيابي عند عشرات الامثلة التي تكشف عن عجز الحكومة الحالية في تنفيذ اي من بنود بيانها الوزاري، في مقابل تفاقم الصراعات والخلافات بين معظم قواها السياسية على «جنس الملائكة» وعلى تقاسم ما تبقى من فتات في مؤسسات الدولة، ولعل من ابرز الامثلة التي يقررها المصدر الآتي:
1- هناك قوى سياسية اعطت مهلة ثلاثة اشهر لوزرائها لتنفيذ بعضاً من الملفات المعنية بها، لكن خلال الاشهر الاربعة الماضية من عمر الحكومة لم يلمس المواطن الحد الادنى مما هو مطلوب من الحكومة ووزرائها، رغم ما يقوم به عدد من الوزراء بجولات ميدانية للاطلاع على الواقع المأسوي الذي بلغته كل القضايا الحياتية والانمائية والبيئية والصحية والانتاجية (صناعة – زراعة – تجارة – سياحة وغير ذلك)، ويقول المصدر انه اذا كان هذا الواقع المأساوي يتطلب كل هذه المدة للاطلاع عليه – رغم ان الحكم استمرارية – و«الحبل عالجرار»، فمعالجة هذه القضايا او بعضها على الاقل سحيتاج لسنوات وعهود.
2- لم تتخذ الحكومة اي خطوة جدية تعبّر عن رغبتها بمواجهة مكامن الهدر والفساد الانفاق السياسي فالحكومة تغاضت عن هدر مئات مليارات الدولارات في المال العام، فلا مشروع الموازنة تضمن بعض التوجهات لاطلاق الحد من الهدر، ولو في ابواب الهدر الاساسية، (المرافئ – التهرب الضريبي – المخالفات البحرية – والانفاق السياسي في الموازنة)، ولا اتخذت الحكومة من خارج الموازنة اي اجراءات تصّب في هذا التوجه، في وقت كل التخفيضات التي حصلت في الموازنة ومعها الضرائب والرسوم طالت الفئات الشعبية واصحاب الدخل المحدود.
3- لا زالت الحكومة بكل اطرافها ضرورة التواصل مع سوريا لاطلاق عودة النازحين وحلّ الكثير من الامور العالقة وبالاخص اعادة «الترانزيت» عبر الاراضي السورية ليتمكن المزارع اللبناني من تصدير انتاجه،بل ان رهان معظم اهل السلطة بدءاً من الحكومة على الاميركي والغربي لرفع «الفيتو» عن عودة النازحين، في حين ان كل هذه الرهانات ثبت فشلها، وحتى لو جرى رفع هذا «الفيتو» فالمدخل لعودة النازحين هو بالحوار مع سوريا.
4- ان ما يؤكد العجز الذي تعاني منه الحكومة الحالية، ما بلغته الخلافات والسجالات بين معظم القوى السياسية حول قضايا ومسائل بعيدة عن ما هو مطلوب لانقاذ البلاد، بل يندرج في معظمه في الصراع على الحصص والمغانم الصغيرة والكبيرة، حتى ان البعض يتحدث في الايام الماضية من ان رئيس الحكومة سعد الحريري وصل الى «منتصف الطريق» نحو تقديم استقالته، فنتيجة التآكل من جهة، وتعطيل الحكومة من جهة ثانية بينما كل المعنيين في عمل مجلس الوزراء ومؤسسات الدولة المختلفة وكأن كل اللبنانيين ينتظرون «الترياق من العراق» فمتى اعتكاف الجسم القضائي منذ ما يزيد عن الشهر والنصف لم يحرك الحكومة والمقررين فيها، لايجاد حلول لمطالب القضاة، بما يطمئنهم الى عدم المسّ بحقوقهم، بينما في امكان الحكومة تأمين ما يزيد عن الاف المرات من المبالغ التي يوفرها يمكن ان يوفرها المسّ بمكتسبات القضاة، الصحية والتعليمية، وهو الامر الذي ادى الى شلل شبه كامل في عمل القضاة في كل المناطق وبالتالي عدم البت بالاف الملفات العالقة لدى القضاة، ومعها ايضاً تعرض المحامين لنوع من البطالة المقنعة.
ولذلك، يلاحظ المصدر ان استمرار التعاطي الرسمي والحكومي مع شبه الانهيار الذي ضرب كل شيء في الدولة ومؤسساتها، ومعها الاوضاع الاقتصادية والمالية يهدد بعواقب اقسى وابلغ مما عليه البلاد اليوم، وبالتالي فالرهان على قروض «سيدر» او التخفيض النظري للعجز ستكون نتائجه كارثية على البلاد، ولو حاولت الحكومة كسب بعض الوقت خصوصاً ان الآتي لا يبشر بالخير، مع المعطيات التي تؤكد مثلاً ان التعيينات الادارية ستتم على قاعدة توزيع الحصص، والازلام في الدولة.