لا يمكن الجزم بالمسار الذي سيأخذه الوضع المالي والاقتصادي في المرحلة المقبلة. لكن الوقائع القائمة حتى اليوم لا تدعو الى التفاؤل، وفي أحسن الاحوال يمكن الرهان على تخفيف اندفاعة التراجع، لأن احتمالات التحسين ليست قائمة حاليا.
صار من الواضح ان مشروع موازنة العام 2015 لن يبصر النور. وبالتالي، فان الانفاق العام سيعتمد القاعدة الاثني عشرية السائدة منذ العام 2006، زائد الانفاق الاضافي المقونن بموجب قانون او سندات دين، أو ما شابه.
هذه المشهدية التي ستتخللها تجاذبات، كما جرت العادة، ليست لب المشكلة، بل أن الأزمة المعقدة تكمن في الأرقام المالية التي أمكن الاطلاع عليها من خلال مشروع الموازنة الذي قدمه وزير المال علي حسن خليل.
من خلال هذا المشروع، هناك عجز سيصل الى حوالي خمسة مليارات دولار في حال إقرار الموازنة، وإدخال البنود الضرائبية الجديدة التي ستشكل ضغطا اضافيا على المواطن وستساهم في خفض القدرة الشرائية لديه. ومع ذلك قد تكون ضرورية لأنه من دونها سوف يرتفع العجز الى حوالي 5 مليار و700 مليون دولار، وهو رقم قياسي لم تشهده المالية العامة في السابق.
هذا الوضع سوف يساهم في تضخيم الدين العام بسرعة اكبر من السابق، بما يجعل الاوضاع حساسة اكثر. وقد بدأت المؤسسات الدولية تستشعر هذا الخطر، وهي تطلق التحذيرات.
في هذه الظروف التي خسر فيها لبنان السياحة والاستثمارات الأجنبية، لا بد من اعتماد خطة طارئة لمواجهة تداعيات محتملة في الايام المقبلة. وقد تزيد الأزمة تعقيدا في حال تحركت الفوائد على الدولار صعودا، بناء على قرار الفدرالي الاميركي الذي قد يُقدم على هذه الخطوة في وقت قريب.
ما هي الخطة الطارئة التي تستطيع الحكومة اعتمادها لتخفيف المخاطر؟
بات من الواضح، ان الوضعين السياسي والأمني يضغطان على الوضع الاقتصادي، وبالتالي، لا يمكن البحث عن حلول عادية في اوضاع غير عادية. وعلى سبيل المثال، لا يمكن بالوسائل نفسها، والظروف نفسها، السعي لدى الحكومات الخليجية لاعادة السياح الخليجيين الى لبنان.
وبالتالي، فان البحث ينبغي ان يركز على إنقاذ المؤسسات السياحية وتشغيلها بطرق مختلفة من خلال اللبنانيين غير المقيمين الذين يزورون البلد في عطلة الصيف. كذلك ينبغي وضع خطة لتكثيف سياحة الاعمال والمؤتمرات، بعدما تبين ان هذا النوع من السياحة يمكن ان يستمر، ويشارك فيه الخليجيون رغم «مقاطعتهم» السياحة الترفيهية المعتادة.
في المقابل، لا يمكن جذب استثمارات خليجية ما دامت الظروف لم تتغير، وهذا يعني انه لا بد من البحث عن توسيع الاستثمارات اللبنانية الى الخارج، على غرار مؤتمر الشركات الناشئة الذي نظمته غرفة التجارة اللبنانية الاميركية في نيويورك. ففي ظل العولمة يمكن فتح الرساميل في الاتجاهين، من الداخل الى الخارج، ومن الخارج الى الداخل.
الى ذلك، ينبغي التركيز على القطاعات الانتاجية وفي مقدمها القطاع الصناعي القادر على إدخال العملة الصعبة الى البلد. وهذا يحتّم تنفيذ خطة متكاملة تبدأ بتفعيل الدبلوماسية الاقتصادية التي يجري الحديث عنها حاليا. لكنها لا تزال بدائية، وتتضمّن ضجيجا اعلاميا اكثر من العمل الفعلي لتثمير الدبلوماسية في خدمة الاقتصاد حول العالم.
ويجب ان يؤخذ في الاعتبار ان الانتشار اللبناني في الخارج يشكّل منصة قلّما تتمتّع بها أية دولة في العالم. وبالتالي، يمكن الافادة من هذا الوضع لفتح المزيد من الاسواق. والأهم، الحرص على عدم خسارة اية اسواق قائمة، كما هي حال سوق الخليج، بذرائع واهية لا تخدم في النتيجة الاقتصاد الوطني.
اخيرا، ينبغي خفض منسوب الفساد والهدر في المال العام، وتحسين الجباية، والتقشّف في الانفاق غير المجدي. لأن الوضع لا يسمح بهذا الترف في ظل العاصفة التي تجتاح المنطقة، وتنعكس تداعياتها على لبنان، رغم تمتعه بمظلة حماية مقبولة.
هل تستطيع الحكومة ان تعتمد خطة طوارئ مماثلة لانقاذ المالية العامة والاقتصاد في الاشهر المقبلة؟
الحكومة حتى الآن، لا تبدو قادرة على إنقاذ نفسها، لكي تنقذ الاقتصاد. وبالتالي، الجواب على السؤال اكثر من واضح.