IMLebanon

حكومة «الشركاء الأنداد» تسابق الوقت وتحوّلات الصراع في المنطقة!

حكومة «الشركاء الأنداد» تسابق الوقت وتحوّلات الصراع في المنطقة!

السؤال قيد المراقبة: هل تُدخِل «إيران المحاصرة» لبنان في المعركة الدائرة إقليمياً ودولياً؟

 

الحريري لن يكون رئيس حكومة «غزة لبنان» وجعجع يستفيد من نظرية الأقوى في طائفته لكن طريق بعبدا  تمرّ في حارك حريك

لا يحتاج المراقب إلى كثير عناء كي يخرج باستنتاج أن الرئيس المكلّف سعد الحريري يتعرّض لحملة سياسية وإعلامية بغية تطويقه والضغط عليه في مسار تأليف الحكومة، ولادة وحُصصاً وحقائب وصولاً إلى بيانها الوزاري. يُدرك «الشركاء الأنداد»  الممثلين برئيس الجمهورية وتياره و«الثنائي الشيعي» والذين انتقلت إليهم وحلفائهم الغالبية البرلمانية، أن الحريري يملك أوراق قوة في يديه تفوق ما كانت عليه لدى انتهاء الانتخابات النيابية وخسارته ثلث كتلته.

إعادة تكليفه حفظت له موقعه، الذي لو أراد الخصوم إبعاده بالاستشارات النيابية لاستطاعوا، لكن ثمن ذلك كان سيكون مُكلفاً على البلاد وضرباً لكل مقولة تمثيل الأقوياء في طائفتهم وتحريكاً للصدام المذهبي المكبوت ولربط النزاع الذي ارتضاه «حزب الله» و«تيار المستقبل» سبيلاً لتجنيب البلاد عوامل تفجير مجتمعي بعدما نهش الاقتتال المذهبي الشيعي – السنّي جسد العراق دولة وشعباً، ونخر كثيراً من المجتمعات العربية والإسلامية.

في الدستور، لا مهلة محدّدة للرئيس المكلّف لإنجاز حكومته ولا آلية لإنهاء هذا التكليف. اللافت هذا التجرّؤ في المطالبة بتحديد مهلة أو توقيع عريضة من 65 نائباً تطالبه بالعزوف عن التكليف. هي رسائل ضغط في حدها الأدنى، لكنها تصوّب في آن معاً على تلك الرغبة الكامنة أبداً في الخروج على الطائف، لجهة تجريد رئيس الحكومة من صلاحيات مَنحَه إياها الطائف الذي تَحوَّل دستوراً.

وثمة فرق بين نقاش هادئ حول الثغرات في الدستور التي لا بد من تعديلها، وبين المطالبة بتعديلات ما، وخلق أعراف لضرب صيغة الطائف انطلاقاً من اقتناع بأن موازين القوى منذ إقرار وثيقة الوفاق الوطني عام 1989 وحتى اليوم قد تغيّرت. ينسى هؤلاء أو يتناسون أن تلك الوثيقة لم تُنجَز إلا بعد خمس عشرة سنة من الحرب الأهلية ومئات الآلاف من القتلى والجرحى والمعوّقين والتدمير والتهجير والنزوح والهجرة، وأن الحرب ما كانت لتنتهي وما كان اتفاق الطائف ليُبصر النور لولا توافر إرادة لبنانية  في لحظة تلاقٍ وتوافق عربي – دولي.

على أن الخفة في خوض المعارك السياسية بما يحوّلها إلى اشتباك طائفي عند كل استحقاق يدل على مدى الهشاشة الداخلية ومدى قابلية القيادات السياسية لبعض الطوائف لاستخدام رعاياها وقوداً في حرب المصالح والمكتسبات الشخصية، حتى ولو على حساب السلم الأهلي والعيش المشترك الذي أُسقط من القاموس السياسي لصالح التعايش بمفهوم المساكنة بين الطوائف وليس الروابط الجامعة في كل ما هو مشترك ومصدر غنى في مجتمع تعددي. لا شك أن كل فريق يسعى إلى رفع سقف مطالبه بغية تعزيز موقعه، لكن للعبة حدودها وضوابطها، وحين يتم تجاوزها تُطرح علامات استفهام حول مغزاها.

الشكوك الدائرة لدى «الشركاء الأنداد» أن يكون الحريري يأخذ وقته في التأليف بإيحاء سعودي – أميركي للإفادة من التحوّلات التي تشهدها المنطقة، ولا سيما العمل الجاري على محاصرة إيران، بحيث يُشكّل ذلك فرصة لتعويض ما خسره سياسياً في الانتخابات، وما خسره معه المحور الذي يتماهى معه. هي شكوك يريدون تعزيزها بوقائع ومعلومات غير متوفرة. يتم ربط العقدة الدرزية والعقدة المسيحية بتدخل سعودي، فيما كل من العقدتين واضحة المعالم والأسباب.

الزعيم الدرزي وليد جنبلاط لن يُسلّم بمحاولة محاصرته في عقر داره فيما هو الزعيم الأقوى في طائفته، وفق معايير الخصوم أنفسهم. ورئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع خاض معركة مسيحية – مسحية على حساب المعركة الوطنية لإثبات زعامته المتساوية مع زعامة منافسه الرئاسي جبران باسيل.  المملكة العربية السعودية تريد أن تستعيد جنبلاط، لكنها تعلم أن «سيّد المختارة» أسير مقتضيات الحفاظ على طائفته. وهي تنظر إلى جعجع على أنه حليفها المسيحي، لكن عين الحليف نفسه على «حارة حريك» حيث أن طريق بعبدا تمرّ من هناك، أقله في المدى المنظور! الرجل يرى أن السير بنظرية الأقوى في طائفته تصبّ في مصلحته مستقبلاً، ذلك أنه من الطبيعي أن تهتزّ بنية «التيار الوطني الحر» إذا غاب مؤسسه، غير أنه يعلم أن ذلك ليس كافياً.

ما يريده «الشركاء الأنداد» هو مسابقة الوقت والتحوّلات في المنطقة لتجيير انتصار محور إيران في السياسة وترجمته حكومياً. هُم في العمق يعلمون أن الحريري حاجة لهم لكنهم يريدونه ضعيفاً، رئيس حكومة في الشكل لا يملك حتى قدرة تعطيل القرار بالتصويت. كل نظرية «الثلث الضامن» التي اجتاحوا بيروت عام 2008 لتكريسها ما عادوا يريدون تطبيقها ما دامت الأكثرية معهم، حتى التسوية الرئاسية يرون أن مفاعيلها انتهت مع الانتخابات النيابية، لكن المعضلة تتمثل في أنهم غير قادرين على إنتاج تسوية أخرى تكرّس إطباقهم على الحكم بالكامل، نظراً إلى تبدّل الظروف الإقليمية والدولية.

كل ما يجري راهناً مربوط بشكل مباشر أو غير مباشر بالعنوان الأساسي المتمثل بمحاصرة إيران في المنطقة. غير الواضح، حتى الساعة، هو معرفة ما إذا كانت إيران وذراعها اللبنانية ستتخذ قرار إدخال لبنان مباشرة في المعركة الدائرة في الإقليم وعلى الساحة الدولية. ذلك القرار له تداعياته على الاستقرار الداخلي ومحفوف بالمخاطر، وتجربة «غزة» ماثلة أمام الأعين.

قوّة الحريري أنه الرئيس المدعوم عربياً ودولياً. وهو الرئيس الذي يُمثّل الاعتدال السني، والقادر – من خلال شبكة علاقاته – على أن يُخفّف من حدّة التداعيات والعقوبات المنتظر أن تتصاعد ضد «حزب الله» بسبب أدواره الخارجية. قوّته أنه يُشكّل عامل ثقة للمجتمع الدولي ولا سيما لأوروبا الخائفة من قنبلة اللاجئين، وأنه الأقدر على حماية لبنان من الانعكاسات الاقتصادية والمالية. لكنه بالتأكيد لن يكون رئيس حكومة «غزة – لبنان» لأنها ستكون حكومة السقوط في المحظور، حكومة بلا غطاء عربي ودولي، لن تؤول إلا إلى الانهيار.

وإذا كان «الشركاء الأنداد» متيقنين من نتائج هكذا مغامرة، فإن ثمة مغامرة أخرى يُعدّون العدّة لها وهي تحويل لبنان إلى مقرٍ للعمليات المالية والاقتصادية الإيرانية، ولكل العمليات غير المشروعة في ظل اشتداد العقوبات عليها، فإذا نجحوا في ذلك، فإنها ستكون الوصفة السحرية لضرب لبنان، سواء أكان الحريري على رأس الحكومة أم لم يكن!.