IMLebanon

هل تُؤسس الخطة الحكومية لإعادة تفجير الإنتفاضة الشعبية؟

 

في محطات مختلفة منذ بدء حراك 17 تشرين الأول العام الماضي، شكلت خطوات سلبية وأحيانا إستفزازية من قبل السلطة والحكومة السابقة، ذريعة ثمينة بالنسبة الى المنتفضين لتزخيم تحركاتهم التي استُهلت أصلاً عبر قرار حكومي ضرائبي غبيّ.

 

«Hair Cut».. وتحركات؟

 

اليوم، قد يبدو الأمر مشابهاً عبر خطة حكومية أثارت توجس اللبنانيين، خاصة على صعيد ما يعرف بمسألة الـ«Hair Cut»، أي الاقتطاع من ودائع الناس، بغض النظر عن نسبة الودائع أو ذلك الاقتطاع، لتمويل خزينة استنزفت من قبل الطبقة السياسية التي حكمت لبنان منذ نهاية الحرب الأهلية واستتباب السلم الداخلي.

 

طبعا ليس الأمر مبتوتاً به حتى الآن ويكتنف الغموض تلك الخطة وحتى ما إذا كانت الحكومة جادّة بها أو ما إذا كانت ستمضي بها حتى النهاية. لكن الأمر إذا ما أضيف الى الحالة المزرية التي تمر البلاد بها والتي زادها مأساوية هبوب وباء «كورونا» على البلاد، فإن من الطبيعي أن تؤذن خطوة كهذه الى إعادة اندلاع الإنتفاضة الشعبية من جديد.

 

في الساعات الماضية، تداعت مجموعات من الحراك الشعبي عبر غروبات واتساب الى دعوات نزول الى الشارع مطلع الاسبوع الحالي عبر تحركات مختلفة الطابع، منها الاحتجاج الشعبي على الأرض في ظل مراعاة لمسألة التباعد الاجتماعي التي يفرضها توقي وباء «كورونا»، ومنها مسيرات سيارة تجول في أماكن مختلفة ومنها مثلا محيط منطقة العدلية للتذكير أيضا بمطلب استقلالية القضاء، وغيرها من التحركات.

 

يعلم هؤلاء تماما أن السكوت على ما قد تكون الحكومة تُحضر له لن يفعل سوى في أذيّة اللبنانيين في مدخراتهم وجنى العمر وسيضرب مصداقية انتفاضة شعبية لا زالت في المهد، وسيؤسس، وهذا الأهم، لكارثة إجتماعية وإنسانية قد تمهد نحو غياب الأمن الإجتماعي وتفلّت القتل والجريمة لشعب ليس له ما يخسره، في وضع سيكون الأسوأ على اللبنانيين منذ أكثر من 100 عام.

 

وبعد دراسة للموقف، قررت مجموعات الحراك إرجاء النزول على الارض في انتظار ما ستخرج به الحكومة في خطتها كون كل ما يدور حولها هو في إطار التسريبات ولم تتخذ الخطة صفة الرسمية. على أن ذلك لا يدفع هؤلاء الى التماهي مع معارضي الحكومة الذين سارعوا الى استثمار ما تسرب عن اقتطاع لأموال المودعين لإطلاق النار على الحكومة إنطلاقا من هذا العنوان.

 

هي السلطة السياسية نفسها بالنسبة الى المنتفضين، علماً أن كثيرين يستبعدون أن يمر أمر كهذا في مجلس النواب، تحت أي غطاء قد يتخذ عنوان السندات أو الأسهم أو الصناديق، كون هذ الامر، ناهيك عن بشاعته وظلمه في حق مودعين كثر، فهو يمس بالحرية الفردية لا بل بالدستور اللبناني. كما أن من شأن هذا الأمر أن يمس بسمعة لبنان المصرفية وبثقة المغتربين اللبنانيين بوطنهم والذين لجأ الكثير منهم الى البنوك المحلية في ظل الحصار الأميركي الخارجي عليهم، وكل ذلك يعني ضربة موجعة للإقتصاد اللبناني برمته.

 

المعركة آتية

 

على أن عدم إقدام الحكومة على هذا الأمر مثير للجدل، لا يعني سوى إرجاء المعركة الى أوان مقبل حتما في ظل نيّة لبنانية للاستعانة بصندوق النقد الدولي الذي سيفرض إجراءات قاسية على اللبنانيين قد تدفع بمن لم يعد يخسر شيئا الى مواجهة السلطة بصدره العاري.

 

وعلى الرغم من مناداة شرائح شعبية وسياسية كثيرة بالتفات السلطة الى حيث يجب لاقتطاع الأموال من خارج أموال اللبنانيين، إلا أن المسألة الأهم تبقى بعملية إصلاح مفقودة ومكافحة للفساد لا بل قمعه وضبط الصرف والهدر واستعادة الأموال المنهوبة عبر ملاحقة متعهدي المشاريع والصفقات الكبرى، برغم أن دونها صعوبات وحاجتها الى غطاء سياسي قد لا يتوفر.

 

من هنا، قد لا تقدم السلطة على إجراءات دراماتيكية تؤذي المودعين كون الحكومة تجهد الى تأييد شعبي وهي بالكاد حصلت على بعض الإيجابية لدى الناس عبر جديّة وزراء فيها والتزامهم.

 

لكن مجموعات الحراك التي تلقت السهام المنتقدة والجارحة حول «سلبيتها» خلال الايام الاولى لاستشراء وباء «كورونا»، تحذر من استغلال أحزاب السلطة لهذه الحالة الصعبة وهو ما حدث عبر إزالة اعتصام المحتجين في بيروت وما تبعه من إنهاء لاعتصام طرابلس، ظناّ من السلطة أن الأمر ينتهي هنا.

 

توازياً، شرعت احزاب السلطة الى استثمار الوباء لتقديم إعاشات الى المحتاجين، عبر مشاهد «مسرحية» هي بمثابة رشوة انتخابية لهؤلاء، حسب الحراك، «وهو دأب سلطة لن تتخلى عن آلية الزبائنية السياسية في سبيل الإبقاء على هيمنتها على الناخبين في ظل إمكاناتها المالية، وهو ما من شأنه ضرب مفهوم الدولة وإظهارها على هامش تلك الأحزاب».

 

ولأسف مجموعات الحراك، فإن انتشار الوباء لم يفعل فقط في بتر تحركاتهم الشعبية، بل أنه أضفى على تلك الأحزاب الشرعية لكي تظهر بمظهر المنقذ عبر فيدرالية طوائف لا غنى عنها و«استنسابية» في التعاطي كما يتهمها الحراك عبر إضفاء مساعدات على أتباعها دون غيرهم، حتى داخل طوائفها.

 

هذه المرارة لدى الحراك ربما دفعته الى عدم التسليم بجهود الحكومة والتزامها، «فهي تقوم بواجبها» وإن كان كثيرون فيه يُثنون على ما بعض ما تقوم به هذه الحكومة خاصة على الصعيد الصحي، من دون أوهام سرت لدى الناس بانعتاق هذه الحكومة عن السياسيين وهو ما برهنته التهديدات من قبل السياسيين بفرطها عند الخلاف على أية قضية!

 

في كل الأحوال، لا تبدو ملامح ضوء في نهاية النفق، وبالنسبة الى المنتفضين فإن لا جدوى من مساعدات خارجية تحت عنوان صندوق النقد أو «سيدر» أو غيرها. فالعالم موبوء هو الآخر، وقد تتركز أولوياته على أماكن أخرى، وبالنسبة الى لبنان، فإن قدوم المغتربين من الخارج لن يفعل سوى في تعميق بطالة تتفاقم مع الوقت وغلاء للأسعار متصاعد تقف وزارة الإقتصاد موقف المتفرج أو العاجز حياله، بدلا من اقتراح استراتيجية خطة طارئة وإنقاذية.

 

.. وإلى حين خروج الحكومة بتأكيد أو نفي رسمي للمخاوف الشعبية المالية، يتحضر الحراك لصافرة انطلاقة محتملة للاحتجاجات.