وأخيراً صار للحكومة خطتها المالية الاقتصادية. خطة تعتبرها الحكومة باب عبور للحديث مع المجتمع الدولي. أياً كانت بنودها التي خضعت لنقاشات داخل مجلس الوزراء يمكن لهذه البنود ان تكون عرضة للتعديل أو الاضافة، هي ليست منزلة لكنها خطوة ايجابية تسجل للحكومة التي انتهت من إعدادها في فترة قياسية من عمرها.
بثقة عالية ونبرة هادئة وجه رئيس الحكومة حسان دياب خطابه من دون أن ترسم على محياه أي علامات فارقة تتيح لخصمه أو صديقه أن يسجل انطباعاً حقيقياً عما يدور في خلده.
ألقى خطاباً وكأنه بدأ كتابته منذ الجلسة الاولى التى بحث فيها موضوع الخطة الاقتصادية، معتمداً على منهجية أكاديمية اكتسبها من تعليمه الجامعي لا يجيدها نظراؤه من السلف المنتظر على مفارق الأخطاء والانتقادات، والذي يتوسل أسلوب التسطيح والسخرية وفائضاً في التعالي بالنظر الى هذا القادم من خارج النادي ومن خارج السرب.
من حيث الشكل وفى بوعده بأنه استطاع بحكومته “التقنية” حديثة الولادة وضمن المدة الزمنية التي لم تتجاوزالمئة يوم أن يقر خطة اقتصادية لم تستطع الحكومات السياسية السابقة ان تفعلها. استطاع ان يقود حكومته بانضباط والتزام كبيرين وان يعقد جلسات لمجلس الوزراء بوتيرة متسارعة متلاحقة في ظل مكافحة “كورونا”، وبمعدل يتجاوز الجلستين في الأسبوع الواحد. وحتى انه عقد في الاسبوع الاول من شهر رمضان ثلاث جلسات متلاحقة أقرت في خلالها هذه الخطة الاقتصادية. ومن حيث الشكل أيضاً استطاع دياب ان يدير معركته بحنكة ودراية في مواجهة الحملات الإعلامية عليه، والتي لم يسلم من الأحكام المسبقة حتى على النوايا وليس على الأفعال فحسب.
وعلى ما ظهر من مواقف مبدئية فقد ووجهت الخطة بقبول حسن، حيث أعلن منسق الامم المتحدة في لبنان يان كوبيش ان الحكومة “خطت خطوة مهمة نحو الإصلاحات ومعالجة الأزمة المصيرية الراهنة عبر إقرار خطتها الإصلاحية، ما يمهد الطريق للمفاوضات مع صندوق النقد الدولي وسائر الشركاء الدوليين”.
أما محلياً، وعلى مسافة ساعات من إعلان الحكومة خطتها، فبارك البطريرك الماروني من موقعه كمرجعية دينية مارونية، وآزر من على منبر القصر الجمهوري الحكومة ليزيل بموقفه هذا الالتباس عما رسمه من خط أحمر حول حاكم مصرف لبنان رياض سلامة. وقد نبّه الحراك الشعبي الى ضرورة ان تكون الثورة على الدوام بناءة وحضارية وثقافية، بحيث تظهر وجه لبنان الى العالم.
بنود خاضعة للنقاش
أما في مضمون الخطة الاقتصادية، فلا يمكن لأحد ان يحكم معها او عليها نظراً إلى التداعيات الاقتصادية والتضعضع المالي الشديد الذي تشهده البلاد، بغض النظر عن الموروثات الثقيلة التي ألقيت أعباؤها على كاهل هذه الحكومة، الا ان تسجيل النقاط لا يكفي لربح الرهان حيث الناس يواجهون اكثر من وباء مستجد كـ”كورونا” أو قديم كالفساد، الذي نخر حتى الاسماء كلها من السياسيين ولم يبق فوق الغربال الا من سقط سهواً عن البال. يعتبر رئيس الحكومة وفق اوساطه ان للخطة حسنات كثيرة تؤهل الدولة لاطلاق المفاوضات مع حاملي اليوروبوندز، ويفترض بهذه المفاوضات اذا ما تمت في غضون تسعة أشهر ان تخفف ديون اليوروبوندز ما بين 15 و 22 مليار دولار، وتخوّل الحكومة تقديم برنامج يؤمن لها مبالغ تقدر بـ 15 مليار دولار ومن “سيدر” نحو 12 ملياراً وتخلق ثقة داخلية ودولية، خصوصاً انها ستسير بشكل متوازن مع خطوات مكافحة الفساد واستعادة المال المنهوب. أما داخلياً فتجزم أوساط رئيس الحكومة بالعمل على تهدئة اصوات الاعتراض وتثبيت سعر الدولار وتحريك العجلة الاقتصادية. وما تؤكد عليه الاوساط ان الخطة وضعت قطار الدولة على السكة الصحيحة بحيث صار لديها تصور عن واقعها المالي.
ورأت مصادر وزارية ان “هذه الحكومة أنجزت ما عجزت حكومات عن إنجازه في فترة قياسية. واجهت “كورونا” بنجاح، اعدت خطة إقتصادية لا نقول انها خطة مثالية لكنها بنود خاضعة للنقاش والتعديل حيث تدعو الحاجة، لكن في نهاية الامر كنا نريد ورقة نتحدث بشأنها مع العالم الخارجي وقد توصلنا الى وضعها بوتيرة عمل جبارة وخلال فترة قياسية”، وتؤكد ان “المجتمع الدولي بات في جو هذه الورقة المالية التي ستسلك الحكومة مسار التفاوض بشأنها مع الخارج، كما ستباشر قريباً التفاوض رسمياً مع صندوق النقد الدولي وهي أعدت ورقة أولية وباشرت فعلاً التواصل مع الفرنسيين بخصوص مؤتمر سيدر”، كاشفة ان “وزير المالية الفرنسي سأل خلال الاتصال الهاتفي الذي اجراه أخيراً مع المسؤولين عن إمكانية المساعدة، فكان جواب رئيس الحكومة: ساعدونا حين ننجز خطتنا على الترويج لها عبر اصدقائكم في العالم. والخطة ستواكب على المدى المنظور مع تعيينات ادارية واسعة وتغيير بالأشخاص”.
لم تعد الحكومة تخشى وقف تنفيذ خطواتها ولا الحملات التي تتعرض لها على يد خصومها. كان أغلب ظنهم ان حكومة التكنوقراط صعب عليها ان تعمل، لكن الحكومة ومن خلال تجاربها خلال فترة قصيرة آلت على نفسها الا تدخل عملها في دهاليز السياسة والطائفية، ولو ان ذلك صعب في ظل وجود طبقة من السياسيين اعتادت ان تكون شريكة في كل كبيرة وصغيرة.
لا تفوت المصادر الوزارية التذكير بالظرف الذي تعمل فيه الحكومة داخلياً، حيث الانهيار المالي ولا مداخيل في صندوق الدولة، ومع ذلك فهي تبذل قصارى جهدها وتمكنت من تحقيق انجازات عدة خلال فترة قصيرة. وكل الأمور مرهونة بخواتيمها.