IMLebanon

لحكومة منتِجة

مِن غير المفيد القول إنّ لبنان لا يعرف مشكلةً في تشكيل الحكومة الأولى للعهد، وذلك على الرغم من أنّ فترة السماح لتأليفها لم تنقضِ بعد، إلّا أنّ اندفاعة العهد والتكليف السريع للرئيس سعد الحريري كانا من المفترض أن يُستكملا بحكومة صغيرة متحرّرة من بعض العقَد، على أن يكون هدفها الأوّل تأمين أفضل الظروف لإجراء الانتخابات النيابية المفترض إجراؤها في أواخر الربيع المقبل.

إلّا أنّ التأخّر الحاصل والفَرملة، كي لا نقول العرقلة، تعيدنا سريعاً وبشكل تلقائي إلى دور الحكومات في الدستور اللبناني المعدّل في العام 1990، لندركَ أهمّية هذه السلطة في تحديد الأحجام وفي تأمين مشاركة الجماعات بكعكةِ السلطة.

لا يختلف اثنان في لبنان على أنّ فلسفة اتفاق الطائف في الإصلاحات الداخلية قامت على نقلِ الصلاحيات التي كان يتمتّع بها رئيس الجمهورية بحسب دستور 1926 إلى مجلس الوزراء مجتمعاً، أي نقلها إلى هيئة حكمٍ جماعيّ تدير السياسة العامة للبلاد كما الأمورَ التنفيذية اليومية… فلا عجب أن يعرف لبنان أزمة سياسية مع كلّ عملية تأليف لحكومة، خصوصاً عند غياب الراعي الخارجي، سواء أكان سوريّاً أو عربيّاً أو أمميّاً…

إنّ تطبيق اتّفاق الطائف جاء حاسماً لناحية الدور والهدف. فلم يعُد من الجائز تشكيل حكومة لا تتمتّع أقلّه بنفَس سياسي، كون المسؤولية الأولى للوزير سياسيةً بامتياز.

ومن هنا نفهَم الرفضَ المطلق لتشكيل ما يسمّى حكومة التكنوقراط، علماً بأنّه في بلد مِثل لبنان من الصعب إطلاق وصفِ التكنوقراط على من يتعاطى الشأنَ العام، وبالمقدار ذاته ترفض الأحزاب والقوى السياسية فكرةَ الوزير المختص الذي لا يتمتّع بفكرٍ سياسي أو ينتمي إلى خطّ أو مدعوم من قوة سياسية معيّنة.

ونظراً لهذا الدور وللتعقيدات اللبنانية لم تعُد تسمية الوزراء حكراً على العاملين على تشكيلها، وإنّما أيضاً أصبح للأحزاب والزعماء وحتى للطوائف دورٌ في تسمية من يمثّلها في معظم الحكومات.

ولكي نؤكّد على ما قلناه أعلاه، يُفترض العودة إلى الدستور اللبناني، وتحديداً إلى المادة 65 التي تحدّد دورَ مجلس الوزراء الذي وفي حال عدمِ اختزاله مِن المفترض أن يلعب دوراً تنظيمياً وتنفيذياً عبر «السهر على تنفيذ القوانين والأنظمة والإشراف على أعمال كلّ أجهزة الدولة من إدارات ومؤسسات مدنية وعسكرية وأمنية بلا استثناء» إضافةً إلى الدور السياسي الذي يوازي الدورَ الأوّل، إذ عليه مجتمِعاً «وضع السياسة العامة للدولة في جميع المجالات ووضع مشاريعِ القوانين والمراسيم التنظيمية واتّخاذ القرارات اللازمة لتطبيقها».

إنّ هذا التعديل المهم الذي نصَّ عليه الطائف يؤكّد أنّ فلسفة هذا الاتفاق والدور الجماعي المنوط بالسلطة التنفيذية، يُحتّمان العملَ على تبديل

الذهنية السائدة في التعاطي مع السلطة التنفيذية إذ لا مجال لسير العمل في الحكومات، إلّا بتحويلها إلى مؤسسة بكلّ ما للكلمة من معاني سياسية وتنظيمية… ما يفترض وضعَ نظام داخلي واضح وإلزامي يَرعى عملَ الحكومة ويحدّد صلاحيات الوزراء وواجباتهم، ويُحسَم الجدل فيه حول دور رئيس الحكومة المتّهَم بأنه يَختزل مجلس الوزراء بشخصه، خصوصاً عند اتّفاقه مع رئيس الجمهورية، إضافةً اإى تحديد دور نائب الرئيس، فلا يعود مركزاً شرَفياً لا معنى له، فيتحوّل إلى وزير فعّال يقوم بما يفرضه عليه النظام والقانون، خصوصاً عند غياب رئيس مجلس الوزراء أو مرَضِه…

مع الأسف، لتاريخه، تُعاني السلطة التنفيذية من إشكاليتَين تعوقان عملَها وتحدّان من إنتاجيتها، الأولى طريقة تقاسُم المغانم عند تشكيلها، ما يَفرض في معظم الأيام قيامَ حكومة غير منتِجة، أمّا الثانية فهي عملها من دون نظام يَرعى خطواتها ويحدّد العلاقات بين أركانها ومسؤولية كلّ واحد منهم… هو الطائف حمّالُ الأوجه والذي يحتاج إلى قوانين ومراسيم تطبيقية كي لا نَحيد عن هدفه الأساسي بترسيخ سِلمٍ داخليّ يُجسّده عمل السلطات وفقاً لآليات محدّدة بعيدة عن المزاجية واتّفاقات ثنائية وثلاثية تضرب الدستور بعرض الحائط.