لم يكن الخلاف الذي كشفه قرار التوقيت الصيفي، مجرد حملات وسجالات سياسية، درجت عليها الساحة الداخلية مع كل استحقاق أو محطة أو قرار مهما كان حجمه وطبيعته وتأثيره في مسار الوضع العام، بل تخطى هذه الحدود من السياسة إلى الانقسام الحاد، وارتدى في بعض الأحيان الطابع الطائفي، ما كاد يهدد بفتنةٍ تؤدي إلى انفجار الاحتقان السياسي بصورةٍ سبق وأن أجمعت المرجعيات على رفضها، كما تكشف أوساط سياسية واسعة الاطلاع ومواكبة لتطورات الأيام الأربعة الماضية. وبصرف النظر عن الوقت أو الساعة، فإن هذه الأوساط، تعتبر أن ما حصل لجهة المعالجة السريعة، قد ساهم في تمرير “قطوع” خطر من شأنه أن يراكم التوتر والصراع على أكثر من محور سياسي وحتى روحي، نتيجة خروج الاحتقان الطائفي عن كل القواعد السياسية المتعارف عليها بين الأطراف والقوى السياسية وجمهورها ومناصريها.
ووفق هذه الأوساط، فإن حجم وتفاقم الأزمات وغياب المعالجات والخطط الإنقاذية، قد ساهم في تزخيم الخلافات في الشارع بالدرجة الأولى، قبل أن يتعزز على مستوى القوى السياسية والحزبية، مع العلم أن الوقت الضائع هو الذي يحكم الساحة الداخلية منذ بدء الانهيار المالي في العام 2019، بينما ما من التزام بالمهل الزمنية والإنذارات التي تتزايد، وكان آخرها الإنذار الذي أطلقه رئيس بعثة صندوق النقد الدولي إرنستو راميريز ريغو، والذي أعلن فيه أن لبنان لم يعد يمتلك الوقت، وما زالت القوى السياسية تتباطأ في تنفيذ وإقرار الإصلاحات الضرورية.
ومن أبرز الأمثلة على عدم احترام الوقت، الشغور الرئاسي الذي تخطى الأشهر الخمسة، تُضيف الأوساط المواكبة، والتي تؤكد أن عدة أطراف داخلية ما زالت تراهن على التسويات الخارجية، قبل الإنخراط في دينامية سياسية حوارية تسرّع التوافق، وتنهي هذا الشغور في موقع رئاسة الجمهورية. وبالتالي تخفف من وقع التعطيل والشلل في المؤسسات، ما يسمح بعدها بتأليف حكومة جديدة، تقارب كل الملفات والمعالجات المطلوبة من قبل حكومة مكتملة الصلاحيات.
وإذا كان مجلس الوزراء، قد أنقذ الساحة الداخلية من امتحانٍ صعب كاد يهدد الوحدة الوطنية، وفق الأوساط نفسها، فإن تحديات واختبارات عديدة تُحدق بالمؤسسات الدستورية، خصوصاً مجلس الوزراء الذي بات يعمل فقط من أجل تأمين الانتظام المؤسساتي، ولكنه اليوم قد يبقى مجمداً في حال بقيت الجلسات معلقة، واستقرّ رأي رئيسه نجيب ميقاتي على رفض مواصلة تصريف الأعمال، وصولاً إلى الاعتكاف كما هدد يوم الاثنين الماضي.
لكن الأوساط نفسها تكشف أن ميقاتي، لن يعتكف وسيواصل تصريف الأعمال، كما أنه سيدعو الحكومة إلى الاجتماع عندما تدعو الحاجة، وذلك بمعزلٍ عن كل الاعتراضات أو المقاطعة من قبل البعض، وذلك في ضوء واقع التعطيل في المرافق العامة، والذي يؤثر في الحياة اليومية للمواطنين والخدمات الأساسية. ولذلك تجزم الأوساط نفسها، أن الاسبوع المقبل سوف يكون حاسماً على مستوى اجتماع مجلس الوزراء مجدداً، من أجل بحث ملفات طارئة وحيوية وبجدول أعمال مختصر، ويتصل بملف الزيادات على رواتب الموظفين في القطاعين العام والخاص، كما تعويضات العسكريين المتقاعدين.