IMLebanon

لا مفرّ من حكومة الاختصاصيين

 

ليس تمسك الرئيس المكلف سعد الحريري بحكومة اختصاصيين مجرد تشبث برأي وتمسك بأحقية التشكيل كما ينص الدستور. فحكومة الاختصاصيين هي أولاً مطلب شعبي يستجيب لصرخة انتفاضة “17 تشرين” التي أعلنت عدم الثقة بالطاقم السياسي الحاكم. وجاء انفجار بيروت ليزيد في تمسك المواطنين بموقفهم الرافض لعودة رموز ذلك الطاقم إلى الحكم. وحكومة الاختصاصيين هي ثانياً بند أساسي في المبادرة الفرنسية التي عرضها الرئيس إيمانويل ماكرون على ممثلي القوى السياسية الممثلة في البرلمان ونال موافقتهم بالإجماع عليها. وحكومة الاختصاصيين هي ثالثاً مطلبٌ دولي وعربي. وليس سراً ان تشكيل حكومة من هذا النوع هو شرط للحصول على دعم المجتمع الدولي ومنظماته المالية في البنك والصندوق الدوليين، وهو شرط لانفتاح العالم العربي مجدداً، خصوصاً الدول الخليجية، على لبنان والانخراط في تقديم الدعم المالي والاستثماري. وهذا ما يمكن فهمه من مواقف دول مجلس التعاون التي لم تحرص على استعادة لبنان مؤسساته ودوره في الإطار العربي.

 

وبديهي ان هذه النظرة للحكومة المنشودة ستصطدم بمن يرى للحكومة في هذه المرحلة مهامّ غير المهمة الانقاذية المحددة لها. فمن يتمسك بالثلث المعطل لا يبحث عن اخراج الناس من الحفرة التي دفعوا اليها، بل عن صيغة للتحكم بمصير الحكومة ومدى ملاءمتها للحظة التغيير الرئاسي، ومن عاد للحديث عن حكومة سياسية تقنية إنما يذهب في المنحى نفسه تأكيداً لإمساكه بالسلطة الآن وغداً، وفي الحالتين يقود المطلبان إلى منع ولادة التركيبة المرجوة، ما يطرح أسئلة كثيرة عن حقيقة أهداف طرح شرطي الثلث والتكنوسياسي، وهل هما في سبيل تغيير صيغة المبادرة الفرنسية، أم بهدف منع أي حل في لبنان ربطاً للبلد في سلة التفاوض الإيراني مع السيد بايدن.

 

حسناً فعل الحريري بكشف صيغته الحكومية بالاسماء والمواقع. فهو وضع اللبنانيين أمام حكومتهم الممنوعة، التي تزخر بأسماء ووجوه تلقى التقدير والاحترام في غالبيتها. ولن يكون سهلاً تقديم التبريرات، مهما كانت، لرفض تلك التشكيلة تحت أية ذريعة. ربما كان من الأفضل إذاعة هذه الاسماء في وقت سابق، ومع ذلك فإذاعتها الآن كان ضرورياً. انها صدمة إيجابية تشبه تلك التي احدثها فؤاد شهاب لدى تشكيله الحكومة الرباعية في بداية عهده وأنتجت المؤسسات التي يسعون لوأدها اليوم. والفرق شاسع مع الأسف، رغم بارقة أشاعتها اللائحة المرفوضة من وريث الشهابي.