IMLebanon

الضغوط الخارجية ستنتج حكومة اختصاصيين غير حزبيين ودون ثلث معطل… قصر الزمن أو طال

 

الاستعانة بـ«خبراء دوليين» للترسيم البحري قد يفكك «لغم» المفاوضات مع إسرائيل!

 

يعكس «تجمع العلماء المسلمين» بوصفه واجهة علمائية لـ«حزب الله» موقف الحزب والرؤية التي تخدم مصالحه. قبل أشهر، وعقب زيارة للبطريرك الماروني بشارة الراعي إلى القصر الجمهوري مكرراً نداء الحياد وتحرير الشرعية اللبنانية من أسرها، أطل التجمّع من بعبدا ليُشيد بالخيارات الوطنية للرئيس، وبأن لا معنى للحياد ما دام جزء من الوطن محتلاً. والمقصود بالاحتلال «مزارع شبعا» التي شكّلت الذريعة لبقاء سلاح «حزب الله» بعد الانسحاب الإسرائيلي من الجنوب عام 2000، حين جرى اعتبارها لبنانية، فيما هي خاضعة للقرار الدولي 242 بوصفها سورية. والمفارقة أن السفير الأميركي فردريك هوف كشف قبل أيام بأن الرئيس السوري بشار الأسد أبلغه صراحة, يوم كان يقود مفاوضات للسلام بين سوريا وإسرائيل, بأن «مزارع شبعا أرض سورية وليست لبنانية».

 

موقف لم يحظَ بتعليق رسمي لبناني ولا من القوى السياسية، حتى تلك التي كانت على الدوام تطلب من السلطات السورية إرسال مذكرة رسمية إلى لبنان أو إلى الأمم المتحدة تؤكد فيها لبنانية المزارع، بما يمكن ربطه بالقرار 425، وإخراجها من كنف القرار 242 المعني بالأراضي السورية المحتلة.

 

البارحة أصدر «تجمع العلماء المسلمين» بياناً بعد ساعات من لقاء مساعد وزير الخارجية الأميركي للشؤون السياسية دايفيد هيل رئيس الجمهورية ميشال عون. بدا البيان وكأنه رد من «حزب الله» على هيل: «وَصَفَ الزيارة بالمشبوهة كونها جاءت لتفرض على لبنان القبول بالتنازل في موضوع ترسيم الحدود مع إسرائيل تحت عنوان الواقعية السياسية، وربط الاستعداد الأميركي للمساعدة بأن التعديل ممنوع.

 

«حزب الله» بلسان تجمّع العلماء المسلمين يؤيّد طرح عون… وبري كان يعلم بخرائط الجيش

 

في المعلومات أن الجانب الأميركي أبدى استغرابه يوم طرح الوفد العسكري اللبناني في مفاوضات الناقورة نقطة الترسيم الجديدة، وهي النقطة 29 بدل 23، والتي تزيدُ المساحة البحرية المتنازع عليها من 860 كيلومتراً مربعاً إلى 1430 كيلومتراً مربعاً. لم يشأ الوفد الأميركي أن يعلن توقف المفاوضات وفشلها بعد الجلسة الرابعة التي رفض فيها الوفد الإسرائيلي الطرح اللبناني. جرى نقل الاستياء الأميركي من خلال السفيرة دورثي شيا وموفد زار لبنان. وكان السؤال المحوري يتناول سبب عدم مطالبة لبنان بهذا الطرح قبل بدء المفاوضات، وسبب إثارته إياه بعد بدء المحادثات. منذ ذلك الوقت، تم النظر إلى الموضوع على أنه اختلاق لـ«شبعا بحرية». هذا التعبير دخل اليوم إلى القاموس السياسي اللبناني بحيث أضحت هناك «شبعا برية»، و«شبعا بحرية».

 

هيل كان واضحاً مع منْ التقاهم بأن واشنطن على استعداد لتسهيل المفاوضات على الأسس التي بدأت عليها، أي الإحداثيات الجغرافية للجزء الجنوبي لمنطقته الاقتصادية الخالصة التي أودعها لبنان 19 تشرين الأول عام 2010 لدى الأمم المتحدة، وهي إحداثيات تمتد من النقطة B1 وموقعها رأس الناقورة إلى النقطة 23. ما عدا ذلك، فإن جهود الوساطة ستعود إلى نقطة الصفر، ولن تكون واشنطن معنية بها. كان سبق خلال تولي رئيس مجلس النواب نبيه بري عملية التفاوض على «اتفاق الإطار» أن أفاده فريق قيادة الجيش بخرائطه التي تنطلق من النقطة 29، فكان أن طلب التروي في إثارة هذا الأمر كي لا تتم الإطاحة بما تحقق. هذه هي رواية من مطلعين على موقف الجيش. أما في الرواية على ضفة بري، فتقول أن ليس في اتفاق الإطار اي تحديد لمساحات لا 860 ولا 1430 ولا غيرهما، إنما هناك اتفاق على المبادئ التي ستحكم التفاوض لجهة الاتفاقات الدولية التي تتيح لكل فريق أن يثبت حدوده البحرية.

 

على أن إشارة الموفد الأميركي بعد لقائه عون إلى إمكانية استقدام خبراء دوليين عند الاقتضاء للمساعدة في اطلاعنا جميعاً، ومن ثم تعميم رئاسة الجمهورية لموقف عون حيال الترسيم والذي طالب فيه بخبراء دوليين بدا أنه قد يشكل مخرجاً من زاوية القبول بالاحتكام الدولي. وزاد عليه تأييد بيان «تجمع العلماء المسلمين» دعوة عون إلى اعتماد خبراء دوليين للترسيم وفق القانون الدولي.

 

المسألة الثانية في بيان التجمع هي تأليف الحكومة التي سأل المسؤول الأميركي القيادات اللبنانية ماذا ينتظرون لتأليفها.. ليس مستغرباً رفض تدخل أميركا في موضوع الحكومة ودعوتها إلى رفع يدها عن لبنان، خصوصاً أن هيل تناول من القصر الجمهوري «حزب الله» الذي قال إنه بـ«تكديسه للأسلحة الخطرة والتهريب والأنشطة غير المشروعة والفاسدة الأخرى يقوّض مؤسسات الدولة الشرعية. ويسلب من اللبنانيين القدرة على بناء بلد مسالم ومزدهر، محملاً إيران المسؤولية كونها هي «التي تغذي وتمول هذا التحدي للدولة وهذا التشويه للحياة السياسية اللبنانية».

 

اللافت هجمة «واجهة الحزب العلمائية» على السعودية، بدعوتها هيل «أن يوجه أوامره إلى أتباعه الإقليميين برفع الحظر عن رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري الذي لن يقدم على التأليف إلا في حال رفع هذا الحظر عنه، والظاهر أن الدولة المعنية بهذا الحظر لن ترفعه وستبقي البلد في حال فراغ دستوري وانهيار اقتصادي». هذا الموقف يطرح تساؤلا عما إذا بدأ صدر «حزب الله» يضيق، أم أنه يحاول أن يُعَبّر عن نوع من التضامن مع «الرئيس الحليف» المُستهدف وصهره رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل المدرج على لائحة العقوبات، والذي أضحى يستبعد، إلى جانب الحزب المصنف اميركياً كمنظمة إرهابية، من المواعيد الأميركية.

 

ما رشح من معطيات أن الموفد الأميركي الذي جاء بناء على إصرار من السفيرة الأميركية للدفع القيادات اللبنانية في اتجاه تأليف الحكومة أكد دعم واشنطن للفرنسيين في مبادرتهم والإصرار على حكومة بـ«قدر الإمكان» من اختصاصيين ليس فيها حزبيين، بما يعني إمكان إبداء مرونة حول طبيعية بعض الوزراء مع التأكيد على رفض أي وجوده مواربة أو غير مباشرة لـ«حزب الله».

 

بالتأكيد يدرك الأميركيون أين مكامن العقدة الفعلية ومن هي الجهة التي تُستخدم داخلياً للتعطيل. سمعوا من الحريري مخاوفَ من أن تحمل التركيبة المقترحة الموسعة في طياتها ثلثاً معطلاً. الذي فهم أن هناك توقعات فعلية بأن تفضي الحركة الخارجية والضغوط التي تُمارس على المستوى اللبناني إلى اخراج الحكومة من عنق التعطيل، من منطلق أن تأليف الحكومة يؤدي إلى حالة ربح – ربح للبنانيين وخسارة لبعض القوى السياسية، إنما عدم الذهاب إلى تأليف حكومة سيؤول إلى حالة خسارة – خسارة للبنانيين والقوى السياسية قاطبة، ولن ينجو أحد.

 

الرهان لا يزال على مبادرة بري التي شق طريقها الزعيم الدرزي وليد جنبلاط مع عون كما مع الفرنسيين.

 

ربما بات على المراقبين أن يأخذوا باحتمالات ولادة الحكومة في وقت قريب، رغم غياب المؤشرات الحاسمة في هذا الاتجاه، وغياب الثقة بالقدرة على التعايش في حكومة يرأسها الحريري في عهد عون.