ربما يكون وزير الداخلية نهاد المشنوق أثار قلقاً من نوع مستجد طارئ في كلمته ذات الدلالة في ذكرى شهيد كبير التصق اسمه بإنجازات امنية غير عادية في مكافحة الارهاب أمعن في مراكمتها الى ان ذهب ضحية مهارته وشجاعته في مقاومة استباحة لبنان ومشروع الدولة فيه. ولا يقلل العامل الشخصي المعروف الذي يربط المشنوق باللواء وسام الحسن خطورة متأتية مما يمكن اعتباره دق أول جرس إنذار مبكر حيال الشراكة الحكومية بين فريق المشنوق و”حزب الله” باعتبار ان الحكومة وحدها لا تزال تشكل حزام الأمان السياسي لمنع انفراط عقد شراكة سياسية تحول وحدها دون اقتحام منطق “الصحوات” القبلية والعشائرية والمذهبية الواقع الذي بات عليه لبنان على شفير الهاوية.
مع ذلك نعتقد ان إنذاراً كهذا يطلقه وزير الداخلية لا يذهب الى تهديد داهم للحكومة المحكومة بالاستمرار ولو بشتى التحديات التي تواجهها من داخلها ومن الخارج مقدار ما يرسم عمق التفاعلات التي أفضى اليها واقع دستوري وسياسي مأزوم يلازم المواجهات الامنية الجارية على جبهة الحدود الشرقية وفي الداخل. واقع الحال ان وزير الداخلية، الذي بدأ “ولايته ” الوزارية بإثارة غبار كثيف حيال اشراكه علناً وبالصورة الممثل الأمني الارفع لـ”حزب الله” في اجتماع أمني رسمي، بدا كأنه يعلن صدمة بمفعول رجعي واستباقي في آن واحد حيال عجز الهيكل الحكومي الجامع لمكونات البلاد في معظمها عن استدراك تشققات حكومية تحت وطأة صعود الصراع المذهبي الذي بات الآن في مرحلة مقلقة للغاية. لا يقتصر الامر هنا على الملابسات التي سردها الوزير في مسألة المربع الأمني البقاعي والحدودي الذي أقحم لبنان في النار والمواجهات وأطاح خطة أمنية، ولا ايضا على النقطة النافرة التي لمح عبرها الوزير الى جهاز أمني يرعى السلوكيات العسكرية والميدانية للحزب، بل ربما يجوز الاجتهاد في التفسير للتوسع الى نقطتين اضافيتين: الاولى تتعلق بعجز الحكومة عن القرارات الجراحية الحاسمة لكونها تضم ٢٤ رئيساً بالوكالة في واقع الفراغ الرئاسي، والثانية تتصل بمحنة الاجندات المشلعة داخل حكومة ينوح فيها المسيحيون على حكم ضائع وينزلق فيها المسلمون الى متاهات صراع مذهبي حارق.
ولعلها مفارقة لافتة ما دام يصعب التهرّب من عدوى المقارنات الكوارثية ان نبدأ بالخشية على الحكومة وقت تجترح حكومة العراق أعجوبة تعيين وزيري الدفاع والداخلية على قاعدة التقاسم المذهبي “والصحووي “بعد طول مخاض، وفيما تقتحم حرب مذهبية أهلية اليمن “السعيد” على وقع انتصارات الحوثيين، فأين يقف لبنان من النسختين؟ وهل ينفع النفير المتقدم في شيء ما يبقي قلة نادرة منا على ايمانها أن لبنان لن يكون إلا نفسه ولن يستحضر النسخ المشؤومة في نهاية المطاف؟