يقول زوّار دار الإفتاء عن سكوت المفتي عبد اللطيف دريان في الفترة التي شهدت المناورة الحكومية، بأنّه كان من ذهب، لأنّه ترك اللعبة السياسية تأخذ مجراها. ويلفتون الى أنّ المفتي لم يصرّح بشكل رسمي بتسمية الرئيس سعد الحريري للحكومة المقبلة، بل إنّ المرشّح سمير الخطيب هو الذي صرّح، وأنّ اللعبة السياسية هي التي أخذت مسارها، وأنّ الشخصيات التي أُحرقت أوراقُها كانت ستكون بدائل رؤساء، أيّ remplaçants موقّتة، لأنّ لا قدرة لهؤلاء، خاصة في المرحلة الحالية، على «مجاراة الرئيس الأصيل» الذي ترتفع حظوظه وفق البعض داخليّاً وخارجيّاً لترؤّس حكومة الإنقاذ، على عكس غيره من الأسماء الأخرى المقترحة، إن لناحية ترؤّسها الحكومة أو لناحية توزيرها.
وفي السياق يقول المقرّبون من دار الإفتاء إنّ المفتي لم يصرّح، لكنّ سمير الخطيب هو الذي صرّح فكشف نقلاً عن حديثه مع دريان بالحرف: «أفضّل سعد الحريري كمواطن».
وتعليقاً على الأصوات التي تعالت منتقدة تأييد المفتي للحريري قال المقرّبون من دار الإفتاء «إنّ المرجعيات الدينية تبقى اليوم أقلّ تعصّباً من المرجعيات السياسية المتسرّعة عند إطلاق مواقفها، بل أكثر دعوة الى الإصلاح»، لافتة في السياق نفسه الى أنّ «كلمة المطران عودة لم تأتِ من منطلق طائفي، بل جاءت من منطلق وطني صرف، وأنّ الفرق بين عودة والآخرين أنّه كانت لديه الجرأة».
وفي العودة الى تفاصيل لقاء دريان – الخطيب، تكشف تلك الأوساط أنّه وبكل بساطة اتّصل الخطيب مساء الأحد بدار الإفتاء طالباً لقاء المفتي، فكان له ما أراد. وتمّ اللقاء… وبالبساطة نفسها صرّح الخطيب دون استشارة إعلامية أو سياسية مسبقة، فأطلع اللبنانيين على ما دار بينه وبين المفتي دون إحراج أو تردّد وقالها بكلّ بساطة: «المفتي سمّى الرئيس الحريري». فانزعج المؤيّدون قبل المعارضين زد عليهم «الموعودين» من أسماء الشخصيات السنّية المطروحة على جدول رئاسة «الحكومة المنقذة.»
وفي المعلومات أنّ الخطيب أحرج دار الإفتاء، كما أحرج الرئيس المستقيل، وأنّه تلقّى اتّصالاً من بعض أصدقاء الحريري يعاتبون تسرّعه، ولاسيّما من جهة إعلانه الصريح تأييد المفتي للحريري من دار الإفتاء، قاطعاً بذلك الطريق على مرشّحين مفترضين بحكم العرف الطائفي السائد الذي ينصّب سفراءه الى الدولة بمجرّد أن يقول كلمته الأخيرة، لافتين بأنّ أوساط دار الإفتاء كانت تفضّل لو بقيت المجالس في الأمانات، لأنّها لو أرادت لأعلنت بنفسها من تشاء وساعة تشاء.
الأوساط نفسها أشارت الى أنّ دار الإفتاء لا ينبغي أن تكون محرجة بالشكل الذي لفت إليه البعض، لأنّ المفتي لم يعلنها شخصياً وبصفة رسمية، بل نقلها عن لسانه المرشّح سمير الخطيب، الأمر الذي لا يدين المفتي أو دار الإفتاء، ليسارع أهل البيت بالقصف على أدائه قبل الغريب، غامزين الى خطاب النائب فيصل كرامي الذي لقّب دريان «بمفتي الحريري»، معترضاً على الأداء والأسلوب الذين تتبّعهما دار الإفتاء، ومذكّراً بنوّاب وشخصيّات سنيّة سياسية معارضة، ومنها أيضاً داخل الحراك، وهي تخالف رأي دار الإفتاء، وبأنّ تلك الشخصيات تصبو الى دار إفتاء جامع ومفتٍ جامع.
في المقابل توصّف أوساط سياسية مراقبة المجريات، بالإشارة الى أنّ الطوائف في لبنان تتصرّف وكأنّها عشائر سياسية تجتمع مع بعضها بعضاً وتتعامل مع الدولة، وكأنّها المساحة المشتركة ما بين الطوائف، فترسل الى الدولة سفيراً لها، وهذا السفير موكل بأن يؤمّن مصالح طائفته لدى الجمهورية اللبنانية، وعن هذا المسار الخاطئ والمتّبع ، تُذكّر تلك الأوساط بأنّ الطائفة الشيعية كانت البادئة عندما رشّح حزبان كبيران رئيساً قويّاً يمثّل الطائفة فاختارا الرئيس نبيه برّي ليمثّل مصالحهما لدى الدولة اللبنانية، فلحق بهم الموارنة وحاولوا استنساخ الموضوع من خلال قانون اللقاء الأرثوذكسي والاجتماع الذي حصل في بكركي برعاية البطريرك الماروني، ومن خلال انتخاب الرئيس ميشال عون، وبذلك تلفت تلك الأوساط بأنّه اليوم، لا يحقّ لكرامي أو لأيّ نائب آخر انتقاد المفتي أو تقييم موقفه، موضحين أنّ تصرّف دار الإفتاء يبقى مثل غيره من الطوائف السنية الشيعية أو المارونية أو غيرها، وبذلك تكون الطوائف الثلاث الرئيسة في لبنان هي التي تنتهك الدستور اللبناني وتتصرف مع الطائف وكأنّه اتفاق ثلاثيّ.
مفاجآت حكومية وتسويات
أمّا في السياق الحكومي، وبعد أن أنشأ الحراك حقائق سياسية لا يمكن تخطّيها، فقد علمت «الجمهورية» أنّ المطروح اليوم هو حكومة من 24 وزيراً، فيما يتمّ التداول بتسويات وتنازلات من جميع الأطراف، ولأنّ التسويات هي تنازلات متبادلة، فإنّ المطروح اليوم حسب أوساط واسعة الاطّلاع هو حكومة تكنوسياسية بقالب تكنوقراط من 24 وزيراً يرأسها الحريري وتضمّ 5 وزراء دولة دون حقائب يمثلون مرجعياتهم السياسية بشرط ألّا يكون من بين هؤلاء الخمسة وزراء سابقون.
أمّا وزراء الدولة فتأتي تسميتهم لحكومة إنقاذية موقّتة على أن تضمّ 20 وزيراً من التكنوقراط والاختصاصيين تستمرّ لمدة 7 أشهر، ويمكن بذلك تسمية هذه الحكومة المفترضة حكومة تكنوسياسية أو تكنوقراط صرف كونها خالية من حقائب للسياسيين. فيما تشير المعلومات الى أنّ هذه الحكومة الافتراضية المستقبلية تبقى حتى الساعة طرحاً، نصح أصدقاء الحريري بأن يقبل بها إذا ما تقدّمت إليه بالصيغة المطروحة إلاّ اذا اصطدمت هي الأخرى بالمفاجآت.