Site icon IMLebanon

حكومة ثلاثينية… لكن القرار السياسي خارجها

في الشكل، الحكومة مؤلفة من ثلاثين وزيراً. لكنها، بتوزع وزرائها على الأحزاب، تفتقد القرار السياسي الذي تملكه المرجعيات السياسية، فلا يبقى لكثير من الوزراء سوى هامش محدود للنقاش والتوقيع

لا تزال ظروف تأليف الحكومة تأخذ الحيّز الأكبر من النقاشات الداخلية، وسط اعتقاد أوساط سياسية أن ما أملى الاستعجال في التأليف، مساء الأحد الفائت، لا يعدو كونه المرحلة الثانية من مراحل الترتيب الذي أتى برئيس الجمهورية ميشال عون، ليس أكثر.

فظروف الحدثين مشابهة من حيث الاستعجال وتجميع الأوراق الداخلية دفعة واحدة، والقفز فوق اعتراضات هذا الفريق أو ذاك، ليتحول الحدثان، على أهميتهما، خطوات مرحلية شابتها سلبيات كثيرة، ولم تصل إلى حدود التسوية النهائية بين الأفرقاء اللبنانيين والإقليميين. ووفق ذلك، سنكون مجدداً، بعد الانتهاء من تأليف الحكومة، أمام مرحلتين جديدتين: البيان الوزاري وقانون الانتخاب، وعليهما يتوقف مجدداً مصير التوافقات الداخلية والتفاهمات، بما يضمن استمرار الاستقرار الداخلي في مرحلة يتفلت فيها الأمن في كل الدول المحيطة.

دلّت التشكيلة على أن القرار السياسي في الملفات الأساسية سيبقى خارج الحكومة

لا شك في أن عملية التأليف في ذاتها، بعدما خلقت إرباكات كثيرة بفعل المحاصصة وتوزيع المغانم وارتفاع عدد الوزراء إلى ثلاثين، طرحت أيضاً إشكالية سياسية تتعلق بواقع هذه الحكومة بما رست عليه لائحة أعضائها. ففضلاً عن أن لقب وزراء الدولة استُخدم خطأً وفي غير محله والمقصود به دستورياً، فتحول إلى هدايا مجانية لفك العقد، دلّت التشكيلة الأخيرة على أن القرار السياسي، في ما خص ملفات أساسية وحساسة، سيبقى خارج الحكومة. وسيكون على مجلس الوزراء ترجمة آليات هذا القرار والتنفيذ العملاني لما يتفق عليه خارجه، سواء أكان من نوع الاصطفاف والمواجهات الحادة بين فريقين، أم تمرير الجلسات بتسويات مرنة.

صحيح أن زمن تأليف حكومات تضم القادة السياسيين أنفسهم في الحكومات قد ولّى وبات كل زعيم سياسي يسمي ممثلين عنه، وصحيح أن السنوات الأخيرة جنحت تدريجاً نحو حكومات مؤلفة، بغالبيتها، من موالين للقادة السياسيين، لكن ظل دائماً هناك مكان لشخصيات سياسية وازنة لها حيثيتها من الحضور السياسي والأداء العام والنقاش السياسي في مجلس الوزراء، بغض النظر عن ولائها وانتمائها وتصويتها.

اليوم، مع الحكومة الجديدة، برز أكثر التمايز بين مستويين، واحد داخل مجلس الوزراء، وواحد خارجه، حتى يبدو المشهد وكأن هناك من جهة مجلس «قادة» كما كان يجري التمثيل على طاولة الحوار، يتخذ القرارات السياسية، ومن جهة أخرى وزراء مهمتهم التوقيع على ما يُتَّفَق عليه في القضايا المصيرية، على بنود جدول الأعمال. وعليه، سنكون أمام مشهد «طاولة حوار» من الفئة الأولى من السياسيين، ومجلس وزراء فيه رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، كطرفين سياسيين، فيما يعود الوزراء المنتمون إلى تيارات سياسية إلى مرجعياتهم عند كل أزمة تعصف بمجلس الوزراء، لأن ليس لدى جميعهم حرية النقاش والمناورة. فلا هي حكومة تكنوقراط بالمعنى التقني للكلمة، ولا هي حكومة سياسية إلا بمعنى الانتماء والولاء الحزبي لأعضائها.

من هنا سيكون الانتقال إلى المرحلة الثالثة والرابعة في مسار الترتيب الموقت للأزمة اللبنانية رهناً بما يتفق عليه الزعماء السياسيون وليس مجلس الوزراء. إذ قبل عملية التسليم والتسلم والتقاط الصورة التذكارية، بدأت عملية شد الكباش حول قانون الانتخاب والبيان الوزاري. وإذا كان معظم المشاركين في تسوية الحكومة يريدون الاستعجال بصياغة بيان وزاري، كي لا تستنفد الحكومة الشهور القليلة لها، وهي تصوغ البيان، فإن مهمتها الأصعب هي قانون الانتخاب وإجراء الانتخابات النيابية، ما دام الجميع تقاسم الوزارات السيادية والخدماتية ومناطق التوزير بهاجس تحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب قبل الانتخابات. ورغم أن النقاش حول قانون الانتخاب بدأ في عهد الرئيس السابق ميشال سليمان وفي خلال الشغور الرئاسي، إلا أن الاتجاه الغالب حالياً نحو لا اتفاق على قانون جديد، بعدما بدأت ردود الفعل المبكرة حول النسبية الكاملة، وحتى النسبية الجزئية المرفقة مع الأكثرية، رغم موافقة ثلاث كتل رئيسية عليها. إلا أن مجرد انطلاق السجال مجدداً، فور تأليف الحكومة، بعدما تلمّس الأفرقاء المعارضون للنسبية قبل التأليف أنهم مقبلون على معركة حقيقية حولها، يؤشر إلى أن الاتفاق الذي أدى إلى ولادة الحكومة «قسراً» انتهى مفعوله سريعاً. وسيكون البلد مجدداً أمام نقاش حامٍ محكوم بسقف الوقت والمهل المحددة لإجراء الانتخابات النيابية. إذ لا يملك أي طرف ترف الغرق في نقاشات تقنية وعلمية حول أي قانون، وليس من السهل على أي منهم أن «يسلّم رقبته» الانتخابية طوعاً بقانون جديد في مهلة قصيرة، فيما الهدف الحقيقي الحصول على أكثرية سياسية موصوفة في مجلس النواب. وعامل الوقت بدأ أيضاً يفرض نفسه، في ظل تفاقم الوضع الإقليمي، بعد تطورات حلب وتركيا والأردن، لأن جميع اللاعبين الأساسيين المحليين يتعاملون مع هذه التطورات على أنها حاسمة في تقرير مصير الوضع الداخلي برمته، وقد بدأ ذلك يرخي بثقله على خطبهم السياسية، وكأن لا حكومة وفاق وطني تظلل رؤوسهم.