من الآن، وأيضاً خلال تولّيها مسؤولياتها بعد نيلِها ثقة مجلس النواب، ستكون الحكومة تحت المجهر وسيكون قانون الانتخاب امتحانَها الأوّل والأخير، فالنجاح يكون عبوراً إلى الدولة القوية والعادلة، أمّا الفشل فقد يكون عبوراً إلى المجهول…
يقرأ سياسيون تابَعوا مسار تأليف الحكومة من مبتدئه الى منتهاه، في التشكيلة الوزارية التي تضمّنتها، الآتي:
أولاً ـ يُسجل انّ هذه الحكومة قد اُنجِزت بسرعة قياسية، لا تقارن بالفترات الطويلة التي استغرقها تأليف حكومات سابقة، وابرزُها حكومة الرئيس تمام سلام التي ولِدت بعد 11 شهراً من تكليفه تأليفَها، وقبلها حكومة الرئيس نجيب ميقاتي التي تألفَت بعد اكثر من ثمانية اشهر والتي كان الباب مفتوحاً فيها لمشاركة فريق 14 آذار وتيار «المستقبل» تحديداً ولكنّه رفض المشاركة.
ثانياً ـ انّ الحكومة تألفَت على ابواب الاعياد المسيحية، بما يؤكد انّ «قوة الدفع» التي جاء بها الرئيس ميشال عون الى سدة رئاسة الجمهورية ما تزال على وتيرتها.
ثالثا ـ انّ تركيبة الحكومة تظهِر انّ عون هو الرابح الاكبر الى جانب حلفائه، سواء من حيث الحقائب الوزارية، او من حيث عدد الوزراء ( 17 وزيرا).
رابعاً ـ حقّق رئيس الحكومة سعد الحريري الحد الادنى الذي يريد جزئياً، وتحوّل من رئيس مكلف الى رئيس عامل وفاعل ولديه وحلفاءَه 13 وزيراً، سبعة منهم لـ«المستقبل». ولكن الحريري سيكون امام تحديَين: التحدي الاول، ان يثبتَ انّه بهذا الإنجاز قادر على التأسيس لفعالية انتاج كبرى الآن ولاحقاً.
امّا التحدي الثاني فهو تحدّي الانسجام بينه وبين عون حول الدستور والقانون وحدود الصلاحيات، فالآن يمكن محاكمة التعايش بين المسؤوليات على ضوء هشاشة ما تحدّده الصلاحيات التي هي موضع تجاذب، إذ انّ مرحلة التأليف اوحَت وكأنّ الخلاف هو خلاف مسيحي ـ شيعي وهو غير صحيح، خصوصاً انّ مرحلة ما بعد التأليف هي محطة لانسجام الرئاسات الثلاثة بعضها مع بعض، ولا سيما بين الرئاستين الاولى والثالثة، اي رئاستَي الجمهورية والحكومة.
امّا التحدي الثالث الذي يواجهه الحريري فهو الانتخابات النيابية، فهو جاء بوزراء لكلّ من مناطق عكار (معين المرعبي) وطرابلس (محمد كبارة) والبقاع الغربي (جمال الجراح) وذلك بقصدِ لمِّ جمهوره وتعزيز قواعده الشعبية استعداداً للانتخابات النيابية، ولكنّ اشتباكه السياسي مع الرئيس نجيب ميقاتي يشي بغير ذلك. بدليل السجال السياسي الذي حصل بينهما بعد ساعات على اعلان الحكومة.
ويرى هؤلاء السياسيون انّ العنوان الاساسي الذي يمكن على اساسه محاكمة الحكومة يتفرّع الى عنوانين:
الاول، هو ما يسمّى الملفات الطارئة والضاغطة التي تتصل بقضايا النفايات والكهرباء والمياه.
امّا العنوان الثاني والاساسي فهو قانون الانتخاب الجديد وهو المحكّ لاستمرار الانسجام الحاصل بين الاضداد او للاختلاف عند المفترق، خصوصا انّ الحريري ما زال يتعاطى مع الوقائع على قاعدة الحد الادنى والحد من الخسائر.
ويبدو انّ القانون الانتخابي سيعتمد النظام النسبي على رغم انّ بعض القوى الاساسية ما تزال تعارضه سراً وعلناً، ولكنّ الجميع يتوقّفون عند ما قاله الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في اطلالتِه التلفزيونية الاخيرة من انّ هذا القانون «النسبي» هو «الممر الإلزامي» الى بناء الدولة. وقيل انّ الوزير جبران باسيل سمع من الحريري في لقائهما الاخير «موقفاً مرِناً» في هذا الصَدد.
والى ذلك، فإنّ سرعة انجاز البيان الوزاري للحكومة ومثولها امام مجلس النواب لنيلِ الثقة، يشكّل المحطة الرابعة، بعد محطات انتخاب رئيس الجمهورية وتكليف الحريري وتأليف الحكومة، وعندئذٍ يمكن القول انّ عجلات الحكم انطلقَت وإنّ عمل المؤسسات انتظم.
ويبدو، بحسب هؤلاء السياسيين، انّه لن تكونَ هناك مشكلة تعوق الاتفاق على البيان الوزاري، وإن كان فريق من السياسيين يقترح ان يكون «خطاب القسَم» مضمون هذا البيان، من زاوية انّ الخطاب تحدّث، حسب تفسير البعض، عن حق لبنان في «أيّ مقاومة كانت» في تحرير ارضِه المحتلة. في حين أنّ الفقرة التي جيءَ فيها على ذِكر المقاومة تضمّنَت الآتي: «أمّا في الصراع مع اسرائيل، فإنّنا لن نألوَ جهداً ولن نوفّر مقاومةً، في سبيل تحرير ما تبقّى من أراضٍ لبنانية محتلّة، وحماية وطننا من عدوٍّ لمّا يزل يَطمع بأرضنا ومياهنا وثرواتنا الطبيعية».
وفي اعتقاد السياسيين انفسِهم «انّ حزب الله يبقى المحرّك الاساسي للوقائع من خلف الستار، والممرّر لـ»كلمات السر الكبرى» التي مثّلت قوّةَ الدفع الخفية وراء كلّ إنجاز، وإنّ أحدَ «اسرار» الحزب» و«ملائكته» هو هذه الحكومة الثلاثينية، اي الرقم 30، اضافةً الى وزيرَي الدفاع والعدل في الحكومة، وتكريس مفاعيل حلفِه مع عون وتعويم رئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية (عبر تمثيلِه بحقيبة اساسية في الحكومة هي وزارة الاشغال) والتشديد على الوزن السياسي لرئيس مجلس النواب نبيه بري عبر التفويض اليه التفاوضَ في شأن حصص حركة «أمل»
و«الحزب» في الحكومة، كذلك عبر تعيين ثلاثة وزراء لحركة «أمل» والإصرار على عدم تمثيل رئيس الجمهورية بوزير شيعي، وإشراك الحزب السوري القومي الاجتماعي في الحكومة ولو بوزير شيعي، فضلاً عن توزير رئيس الحزب الديموقراطي اللبناني النائب طلال ارسلان، وإن بقيَت مسألة تمثيل سنّة 8 آذار علامة فارقة، علماً انّ البعض يرى انّ طارق الخطيب الذي عيّن وزيراً ضمن حصّة رئيس الجمهورية «يمثّل بقوّة» هؤلاء السنّة عبر اقتناعاته السياسية، وإن كان قد جاء الى الحكومة من خارج المدرسة الكلاسيكية لهؤلاء.
في ايّ حال يرى سياسيون أنّ الروحية الإيجابية التي أعلِنت فيها الحكومة، جاءت وفقَ مقولة «رابح ـ رابح»، ولم تكن على اساس رابح مقابل خاسر، وهذا يفترض أنْ ليس لأرقامِ الحصص ايّ قيمة، خصوصاً إذا استمرّت هذه الروحية، إذ بها يمكن الحكومة ان تنجح في مهمّاتها، سواء في ملف القانون الانتخابي او في بقية الملفات.