عندما كان رئيس الجمهورية العماد ميشال عون يرفع خريطة النزوح السوري في لبنان في وجه الجمعية العامة للأمم المتحدة بحضورها من ملوك ورؤساء دول ورؤساء حكومات ووزراء خارجية ومندوبين دائمين، كانت تتردّد أصداء إيجابية في بيروت مشفوعة ببوادر حلحلة على مسار تشكيل الحكومة بدأت بتوصل التيار الوطني الحر والحزب التقدمي الإشتراكي إلى تفاهم مبدئي وعملي على طي صفحة الخلاف الذي نشب بينهما على خلفية إقالة (أو إستبدال) موظفين، وارتقت الى البحث في أمور جدّية كما أكد النائب السابق وليد جنبلاط في أحدث تغريداته بعدما كان وصفها بأنها «أمور بسيطة».
وفي المعلومات المتواترة أنّ العقدة الدرزية لم تعد عاصية على الحل، وأنّ الوزير الدرزي الثالث لم يعد مطلباً حاسماً لدى زعيم المختاره. وأن الذين يطبخون الحل الشامل للعقد المتعددة في سلّة واحدة قد سجّلوا خطوات متقدّمة. وأن الحل الحكومي المرتقب حاصل خلال الأسبوعين المقبلين.
طبعاً هذا كلام متفائل. إلاّ أنّ المدى الذي بلغته أزمة التأليف بات ينذر بأخطار متعدّدة، ليس فقط من حيث الأشهر الأربعة التي مضت على يوم التكليف إنما كذلك لما بدأ يأخذ مجراه من بوادر إنفلات إداري وتطورات سلبية إقتصادية ما ينذر بمحاذير أمنية لا يتمناها أحد. ولعلّ مدير عام الأمن العام اللواء عباس إبراهيم هو أكثر من يحمل هذا الهم في مساعيه، متعددة الإتجاهات، بهدف التوصل الى تسوية هنا، وإلى رأب الصدع هناك، وإلى ردم هوة بين طرفين أو أكثر هنالك.
وفي التقدير أنّ العراقيل سواء أكانت داخلية كما يقول كثيرون، أم خارجية كما يقول البعض، أم «مختلطة» بين داخل وخارج كما يقول البعض الآخر (…) فإن ارتداداتها السلبية لن توفر فريقاً. فالأزمة الإقتصادية ليس لها هوية مذهبية أو طائفية. وعرقلة عجلات الدولة ليست أضرارها لتصيب طيفاً دون سواه.
وفي التحديد: قد يبدو حزب الله الأكثر إلحاحاً على تأليف الحكومة، والأكثر إستعجالاً. فمن الطبيعي أنه عندما سيواجه عقوبات معيّنة إضافية وهو خارج الحكومة سيكون وقعها عليه أكبر وأدهى ممّا لو كان في صلب الحكم.
والرئيس سعد الحريري له مصلحة مباشرة في أن يكون رئيس حكومة مكتمل الصلاحية والدور وليس مقيّداً بتصريف الأعمال «في النطاق الضيّق». أضف الى ذلك أنّ أهل السنة ليسوا مرتاحين الى تفريغ دورهم في السلطة من إمكاناته. وهو فراغ لا يملؤه سوى قيام الحكومة ونيلها الثقة.
والرئيس ميشال عون الذي وعد اللبنانيين بأن مشاريعه الإصلاحية تنتظر «حكومة العهد الأولى» التي ليست هي (في المعنى المقصود) الحكومة المستقيلة إنما حكومة ما بعد الإنتخابات النيابية… نقول الرئيس عون له الرغبة والمصلحة المباشرة في تسريع التأليف…
ولن نسترسل في تعداد المستفيدين من التشكيل، إذ لا يوجد من يستفيد من الفراغ… وعليه لا نستبعد حكومة في القريب…