Site icon IMLebanon

الحرب الحكومية نفطية ومالية

أجمل ما في استقلال هذه السنة أنّه متجلّ وبهيّ بوجود العماد ميشال عون رئيسًا للجمهوريّة اللبنانيّة. لقد مضت السنوات الثلاث الماضية وأحسّ اللبنانيون بأنّ البهاء اللبنانيّ مفقود، بدوا كأنهم يعيشون بلا وطن ولا آفاق، خلي الوفاض، غير محضونين من سلطة حقيقيّة راعية تسير بهم نحو معارج الحقّ والخلاص.

بإمكان كثيرين ان يزعموا بأنّ ما كان يحصل من استعراضات عسكرية على ممرّ السنوات السابقة للفراغ الرئاسيّ كان مجرّد فولكلور، ويعود الزعم إلى أنّ لبنان لم يذق استقلالاً حقيقيًّا في المطلق، حتى أنّ الاستقلال الذي كان سنة 1943، جاء على خلفيّة نزاع شبة معلن بين الفرنسيين والإنكليز صبّ في نهاية المطاف نحو تأسيس دولة إسرائيل سنة 1948، ليدخل لبنان درب جلجلة ظهرت عصيّة على الحلّ، وظهر للعيان أنّ لبنان لا يملك القدرة ولا الفرصة على رعاية نفسه بنفسه وفقًا لمندرجات دستوره وطبقًا لمقاييس ميثاقه، وقد ثبت تاريخيًّا أكثر فاكثر أنّ العناوين المشكّلة للمسألة اللبنانية سواءً كانت صغرى أو كبرى، يعصى حلّها بالمعايير الداخليّة، بل إنّ الترياق دومًا بأتي من العراق، فتجتتمع الدول كلّها على تسوية تعيد عجلة الحياة إلى الداخل.

وعلى الرغم من هذا الانطباع، ينطلق العيد هذه السنة بزخم كبير على الرغم من أنّ الحكومة لم تتألّف، ويكتشف المراقبون بأنّ عدم التأليف ينبع من معادلة تكاد تكون الأسوأ في هذا الزمن. وتتشعّب العرقلة بأطر عديدة منها، عرقلة مسيرة العهد، ومحاولة خلق مناخ مليء بالشائعات ومكتنف بالصعوبات، تنهمر كالمطر الأسود على أرض ظامئة إلى الصفاء، ويحاول المعرقلون تأليب الرأي العام اللبناني على رئيس الجمهوريّة لإظهاره بمظهر المعرقل لمصالح ضيّقة ومن ثمّ المهيمن على تفاصيل كثيرة، وقد تمّ تسريب ذلك في إحدى الوسائل الإعلاميّة بدعوة رئيس الحكومة سعد الحريري أن يتصرّف كقائد، والخلفيّة من كل ذلك واضحة أي إعادة عقارب الساعة إلى لحظات التوتّر الذي سائد في حقبة ما قبل الانتخابات. ومن الشائعات الواردة أيضًا بأنّ رئيس الجمهوريّة سيقدم على وضع ضابط في كلّ وزارة لمراقبة عملها، كما فعل الرئيس السابق العماد إميل لحود، ومن المعروف أيضًا بأنّ هذا غير وارد على الإطلاق لا في ذهن العماد عون ولا في سلوكياته. بل هو حتمًا عاكف على تجسيد الإصلاح في البنى الإدارية ومؤسسات الدولة، والذهاب بعيدًا بعملية مكافحة الفساد.

وفي حقيقة الأمر إنّ ما يحدث هو العكس تمامًا، إنّ من يسعى إلى عرقلة الحكومة هم من ابتلعهم الفساد وأفرزهم ليكونوا جزءًا قاتلاً من نسيج معقد يفرض نفسه بالقوة خارج القانون وخارج سياق بناء الدولة. ويروي مصدر سياسيّ، بأنّ الحرب بكليتها نفطيّة وماليّة وان سر هذه الحرب تكمن في الربط بين وزارة المال ووزارة النفط ضمن شراكة واحضة تتجلى ابعادها فيما بعد بمجموعة استثمارات يقودهارجل اعمال كبير.

ويعتبر هذا المصدر أنّ رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون فهم بالعمق اللعبة السرية المالية النفطية، وفي حقيقة الأمر إنّ معارضته تسليم وزارة الطاقة لتيار المردة مبدئيّة ومن أسبابها:

1- يتصرّف فرنجيّة بإزدراء كليّ بموقع الرئاسة، ولا يتصرّف بانفتاح عليها وعلى موقعها، ويعتبر المصدر المذكور، بأنّ فرنجيّة كان عليه فور وصول العماد ميشال عون إلى سدّة الرئاسة ان يقوم بمبادرة خلاّقة تظهره كإبن شاطر، وهو العارف بأن الرئيس عون أب حنون، وقد تعامل معه أكثر من مرّة بهذه الصفة. ويعتبر المصدر بأنّ فرنجيّة لم يشارك بالاستشارات الرئاسية عن عمد، وشارك في الاستشارات الحكومية عن عمد، وهو العارف بأنّ رئيس الجمهوريّة هو رئيس البلاد. فالعماد عون لن يسمح أبدًا لأي كان بالتعاطي معه كرئيس للجمهوريّة ومع الرئاسة من هذه الزاوية، قصر الرئاسة مفتوح لفرنجية ولسواه وليس من «فيتو» على أحد على الإطلاق.

2-لا يستطيع  فرنجيّة وبحجمه الحاليّ ان يفرض شروطًا على رئيس الجمهوريّة،  وتساءل المصدر السياسيّ، لو وصل الوزير فرنجيّة إلى الرئاسة هل كان شهد لبنان هذا الحشد الفريد والتاريخي من نوعه خلفه؟ القوة التمثيليّة لفرنجيّة ليست على مستوى القوّة القائمة على المستوى المسيحيّ عند التيار الوطنيّ الحرّ أو على مستوى القوات اللبنانيّة، وفي المقابل ليست على مستوى القوة القائمة عند حزب الله كقوّة إقليميّة، ويدعو هذا المصدر فرنجيّة إلى الاتعاظ من حزب الله، حيث أنّه لم يفرض شروطًا محدّدة وهو القادر على فرضها ساعة يشاء ومتى يشاء.

3-لن يقبل رئيس الجمهورية بان تتحوّل وزارة الطاقة وأية وزارة أخرى لوزارة استثمارات مشبوهة غير خاضعة للشروط القانونية الناظمة لشروط تقديم العروض وما إليها. فهو حتمًا سيتصدّى للفساد في النفايات كما سيتصدّى للفساد في النفط وفي أي قطاع آخر.

وبعد إن عدم تأليف الحكومة وبحسب المصدر عينه، سببه أن رئيس الجمهورية يدرس بتؤدة الوظيفة السياسيّة لها ومن خلالها الوظيفة التي سيندرج لبنان بها، سيّما أنّ من الوظائف الأساسيّة لتلك الحكومة مناقشة الموازنة العامّة ومن ثمّ مناقشة مشروع قانون الانتخابات وإقراره. ويعتقد المصدر بأنّ أيّ عرقلة بوجه التوازن وعدالة التمثيل في الحكومة سيخلق مناخًا متوتّرًا ومن شأنه أيضًا أن يعرقل البلوغ إلى قانون للانتخابات عنوانه المناصفة. ويدرك الرئيس عون، بأنّ كل ما يحصل ليس محاولة لعرقلة العهد، فهو سيكمل مسيرته التي وعد بها اللبنانيين، بل يعرقل استكمال المسعى الميثاقيّ الناشئ من نجاح انتخاب العماد عون رئيسًا للجمهوريّة ووصول الرئيس الحريري إلى سدة الرئاسة، والمنكبّ على إيجاد قانون للانتخابات يصحح عدالة التمثيل.

ويعتبر هذا المصدر بأنّ أي إنتاج للفساد من جديد يأخذ البلد نحو منحى ومنحدر خطير، ومن سيدعم الفساد تحت حجج واهية وإلى اي طائفة انتمى يعتبر شيطانًا أخرس. إن تلك المسألة دقيقة للغاية ولا تحتمل التاويل والمزاح.

في النهاية، إن الاستقلال الذي نعيد له بوجود رئيس للجمهوريّة، محطة لنا لنتذكر بأنّ الفلسفة الميثاقيّة هي جوهر الاستقلال. وإذا شاء اللبنانيون ان يحيا بلدهم فما عليهم سوى تكريس تلك الفلسفة وترسيخها على كل المستويات. فهي كفيلة بالتاكيد على أن لبنان وطن نهائيّ لجميع بنيه وبعيدًا عن رهانات ستقود لبنان إلى تدمير كامل. وحده الميثاق الوطني يبقى قلب الاستقلال وجوهره، وهو الضامن لديمومته والمحدّد لوظيفته بين الأمم والشعوب.