Site icon IMLebanon

الحكومة في زمن النفايات: تركيبة تصارع التعطيل.. و«تَصنعُه»

ترنّحت تركيبة تمام سلام الوزارية طويلاً على حبال الشغور الحكومي، لكنها لم تسقط. «فريق» التناقضات والمصالح المتضاربة الذي ولد في 15 شباط 2014، ظلّ عنواناً لسقف الاستقرار المطلوب دولياً بعد التكفّل بجعل الأمن تحت السيطرة أيضاً.

وها هي الحكومة بعد «فرصة الأعياد» تستعدّ «نظرياً»، بعد تجاوز مطبّ «ترحيل» الملف الرئاسي ومعه نفايات اللبنانيين، للانعقاد تحت سقف النفوس المحقونة. لكن عملياً لا أحد يملك إجابة واضحة عن مسار ومصير الحكومة بعد بلوغ الشغور الرئاسي عامه الثاني ناقصاً خمسة أشهر مطلع العام الحالي.

يؤكّد الوزير الياس بو صعب «أننا لم نقف بوجه الحكومة إلا حين لجأت هي إلى التعطيل بتجاوز معطى غياب رئيس الجمهورية والتلكؤ عن واجباتها. ولمعاودة جلسات المجلس هناك سلّة تفاهمات مسبقة متفق عليها يجب أن تلتزم بها الحكومة، بما في ذلك آلية العمل الحكومي إضافة الى تصحيح أخطائها السابقة».

ويلفت بو صعب إلى «أننا لسنا معارضين بالمطلق لتفعيل الضرورة في ظل غياب رئيس الجمهورية، ولسنا موافقين بالمطلق على الجلسات. لقد تخاذلت الحكومة عن القيام بواجباتها الدستورية، منها إجراء التعيينات الأمنية والعسكرية، وهي مدعوّة الى تصحيح هذا الأمر»، مؤكّداً أن «أحداً لم يسألنا رأينا حتى اليوم بتفعيل الحكومة، وحين يقرّر سلام الدعوة الى جلسة نتدارس الأمر، لكن عليهم أن يعودوا الى التفاهم المتفق عليه».

من جهة أخرى، يرى الوزير سجعان قزي أن العودة إلى «اجتماعات مجلس الوزراء غير مرتبطة بالتمهيد الذي حصل من خلال قرار ترحيل النفايات بل بسبب الخلافات السياسية ووضع المؤسسات الدستورية»، مشيراً الى «شروط يضعها فريق 8 آذار، ولذلك لا نرى فرصة حتى اليوم لانعقاد مجلس الوزراء، خصوصاً أنه يتمّ التعاطي مع الانتخابات الرئاسية وكأنها حاصلة غداً».

يضيف قزي «ولأننا من دعاة انتخاب الرئيس فوراً، فمن الأفضل البحث في ملف الرئاسة قبل الحكومة، مع العلم أن لا شيء بمتناول اليد حتى اليوم. أما في حال عدم حصول الانتخابات قريباً، فإن الازمة ستستمرّ، والتعطيل أيضاً».

الحكومة عادت إذاً الى نفق الانتظار. أوحى ابن المصيطبة أكثر من مرّة برغبته التخلّي عن مسؤولياته في كل لحظة كان يشعر فيها بالوصول الى الحائط المسدود. لكنه لم يفعلها حتى حين وصلت النفايات الى عتبة السرايا ومنزله في المصيطية.

اجتمعت جميع المبررّات التي «تشرِّع» استقالة الحكومة أو إسقاطها أو دخولها مدار تصريف الأعمال. من الحكومة المعطّلة، الى مجلس نواب الكوما، والشغور الرئاسي «المسلطن»، والنفايات الشريكة في المحاكمات المفتوحة ضد رموز السلطة، وتسوية التعيينات والترقيات التي حوّلت الى تصفية حسابات متأخّرة مع ميشال عون والخلاف المستحكم حول الآلية الحكومية في ظل غياب رئيس الجمهورية…

وإذا كان مفتاح قرار بقاء سلام في السرايا بيده وبيد مَن لم يقبل أن يعتكف رئيس الحكومة في منزله أو يستقيل، مهما بلغ حجم الضغوط ومنسوب الاستفزاز، فإن مفتاح التعطيل كان حصراً بيد ميشال عون وحليفه «حزب الله». قالها زعيم «تكتل التغيير والإصلاح» بالفم الملآن في ذكرى 13 تشرين على عتبة قصر بعبدا: «نعم نحن نعطّل.. نعطّل قراراتكم العاطلة التي تهدّم ركائز الدولة».

«مشكل» الحكومة الفعلي بدأ منذ اليوم الاول للشغور الرئاسي بانفجار الخلاف تدريجاً حول الآلية الحكومية وتجاوز صلاحيات رئيس الجمهورية وعدم إقرار التعيينات العسكرية والأمنية ومنافسة الوزراء بعضهم لبعض في تعطيل القرارات المتعلّقة بوزاراتهم.

كرة ثلج التعطيل بدأت في جلسة الرابع من حزيران الماضي حين تجاوز مجلس الوزراء مسألة حفظ الأمن في بلدة عرسال وجرودها، بناء على ضغط من عون، بإصدار قرار قضى «بتكليف الجيش اللبناني اتخاذ جميع الإجراءات اللازمة لإعادة سيطرته وانتشاره داخل بلدة عرسال، وحمايتها من الاعتداءات والمخاطر التي تتهددها من المسلحين الإرهابيين».

لكن في الجلسة نفسها طرح وزير الداخلية نهاد المشنوق تعيين العميد عماد عثمان مديراً عاماً لقوى الأمن الداخلي قبل ساعات من انتهاء ولاية اللواء ابراهيم بصبوص، وهو الأمر الذي قوبل برفض وزراء «تكتل التغيير» و «حزب الله»، بسبب عدم ربط هذا التعيين بتعيين قائد جديد للجيش تحت وطأة حملة مركّزة من جانب الرابية برفض التمديد للقادة الأمنيين.

وكانت الجلسة نفسها منصة للتصويب على فريق عون الذي يرفض البحث بأي ملف مالي أو إداري قبل البحث في بند التعيينات الأمنية. لوّح الوزير أكرم شهيب بكساد الموسم الزراعي ووقف التسويق الى أسواق الخليج والعالم العربي إذا لم يُقرّ بندُ دعم الصادرات الزراعية و «لأن هناك فريقاً يوقف التصدير من أجل موقع إداري على حساب مصالح المزارعين».

بعد جلسة التمهيد للتمديد للواء بصبوص، تشبّث ميشال عون ومعه «حزب الله» ببند تعيين قائد جيش. وقد اشترط رئيس «التكتل» عدم النقاش بأي جدول أعمال لا يكون على رأسه بند التعيينات الأمنية ملوّحاً بورقة الشارع.

«صام» المجلس عن الجلسات لنحو ثلاثة أسابيع تحت ضغط شروط عون إلى أن انعقد مجدداً في الثاني من تموز. لم يصمد التهويل العوني طويلاً. فبحضور وزراء «التكتل» تمّ إقرار بند دعم الصادرات الزراعية بالغالبية من دون الالتزام بآلية توقيع الـ24 وزيراً.

إثر جلسة مجلس الوزراء رفع عون السقف مجدداً بعد اجتماع استثنائي لـ«التكتل»، فأعاد استخدام مصطلح الحكومة الانقلابية وتحدّث عن تصرّف حكومي «سيجرّنا الى الانفجار».

بعد أيام بدأ ميشال عون بترجمة تهديداته، حيث نفّذ أول «بروفة» لنزول أنصاره الى الشارع بالتزامن مع جلسة التاسع من تموز التي شهدت بدورها كسراً لمحظور عون بإقرار مستحقات المستشفيات بعد نقاش صاخب بين الرئيس سلام والوزير جبران باسيل.

بعدها جُمّد في الأدراج أكثر من 150 مرسوماً، وقّعها 18 وزيراً يمثلون ثلثي حكومة سلام، بينما امتنع الوزراء الستة الباقون في «تكتل التغيير والإصلاح» و «حزب الله» عن مهرها بتوقيعهم.

كان الاستثناء الوحيد توقيع الوزراء الـ24 مرسوم تخريج تلامذة الكلية الحربية وترقيتهم عشية الأول من آب.

وفي جلسة الخامس من آب التي شهدت طرحاً بالجملة من جانب وزير الدفاع سمير مقبل، ومن باب رفع العتب، لأسماء لقيادة الجيش ورئاسة الأركان، كان مقبل قد أنجز سلفاً صياغة قرار تأجيل تسريح كل من قائد الجيش العماد جان قهوجي واللواء وليد سلمان والأمين العام لمجلس الدفاع الأعلى اللواء محمد خير.

الجلسة التي وصفها الوزير الياس بو صعب «بالمسرحية السيئة الإخراج ومحاولة لشراء الوقت»، شكلّت نقطة الانطلاق في الوقت عينه لما سُميّ لاحقاً «تسوية التعيينات» (تعيين العميد شامل روكز قائداً للجيش) التي التقط أول خيوطها اللواء عباس ابراهيم ثم انتهت بالنائب وليد جنبلاط مروّجاً ومسوّقاً لها.. لتسقط لاحقاً بفعل المناورات من جانب «تيار المستقبل» في التعاطي معها!

بدأ الأمر كـ «إبرة في العضل» تلقاها «التيار الوطني الحر» لم تخفّف من «وهج» تحرّكاته في الشارع، والتي أثبتت قدرة عون الواضحة على الحشد، أو من ضغطه على الحكومة، لكنها وضعته في موقع المتجاوب مع تسوية فصّلت على قياس مخترعيها: جرّ عون إلى فخ «تقزيم» المطالب والحقوق.

في جلسة 25 آب التي شهدت إلغاء لمناقصات النفايات وإقرار 100 مليون دولار، انسحب وزراء «التيار» و «حزب الله» احتجاجاً على توقيع مجموعة مراسيم من دون اقترانها بتواقيع الـ24 وزيراً، وبعدما برزت رغبة سلام بالتركيز على تسهيل تمرير بعض المراسيم الحيوية.

بدا «حزب الله» في هذه الجلسة لأول مرّة وعلى لسان وزيره محمد فنيش متمسّكاً بمراعاة حليفه عون وصولاً الى إعلان رفضه الصريح المضي في آلية كهذه تقضي بتوقيع مراسيم عادية لا تحظى بموافقة الوزراء جميعاً، ومبدياً رفضه كل محاولات تجاوز موافقته هو بالذات على المراسيم العادية.

في جلسة 27 آب، وفي ظل مقاطعة وزراء «التكتل» و «حزب الله»، بحبكة مدروسة مسبقاً، صدرت قرارات الضرورة عبر نقل وفتح اعتمادات الرواتب وتأمين التغذية للجيش وإجازة إصدار سندات خزينة بالعملات الأجنبية.

لكن في المقابل أبلغ «التيار» سلام الاستمرار في مقاطعة مجلس الوزراء، فيما تمنى الرئيس نبيه بري على رئيس الحكومة التريّث في الدعوة لأي جلسة مقبلة في ظل رفض «التيار» نشر المراسيم العالقة وغياب آلية التفاهم على إدارة منتجة لقرارات الحكومة. كل ذلك، والشارع يغلي بالتحرّكات الشعبية وبتخمّر رائحة النفايات في الشوارع.

هكذا دخلت الحكومة في «كوما» التعطيل نحو ثلاثة أشهر الى حين التئام مجلس الوزراء مجدداً في 21 الشهر الحالي، حيث أقرّ خطة ترحيل النفايات بعد خمسة أشهر من تراكم «الزبالة» في الشوارع.

أتت هذه الخطوة بالتزامن مع تعطّل مفاعيل المبادرة الرئاسية لسعد الحريري بدعم ترشيح النائب سليمان فرنجية إلى الرئاسة. رفض «التيار الوطني الحر» و «الكتائب» لهذا الخيار بدا مجرد تسجيل موقف لم يرتق الى مستوى التصدّي والممانعة.