لا نعرف من أين «دَبَّ» التفاؤل في «الرِّكاب»، بعد ما نشر مساء أمس حتى عن إعلان التشكيلة الحكومية يوم الخميس المقبل، كلام متتالٍ سواء من جهة الرئيس المكلّف عن أنّنا أصبحنا في «المئة متر» الأخيرة، أو من جهة الوزير جبران باسيل عن أنّ الحكومة العتيدة ستكون «هديّة» العيد، هذه الأجواء التفاؤليّة التي هبطت فجأة على اللبنانيّين تُعلّلُهم وتعدهم بقرب الولادة الحكوميّة تشبه تلك الأجواء التي نمنا ليلة اثنين على وعودها قبل أسابيع ثمّ «ذهبت مع الرّيح»، للمناسبة «المئة متر» الأخيرة قد تحتاج إلى مئة يوم لتولد حكومة تحمل في مكوناتها صواعق التعطيل والتفجير والتطيير أيضاً، فعلامَ توزيع هذا الابتهاج الوهمي؟!
وفيما انشغل البعض بتوزيع البهجة والتفاؤل كان النائب «قاسم هاشم» وهو أحد الستّة السُنة الذين وصلوا بأصوات «شيعة حزب الله» إلى المجلس النيابي يُحاضر متعنّتاً بأنّه «في حال تنازلنا (النوّاب الستّة) ووصلنا الى اختيار اسم خارج اللقاء فنطرح إسماً وحداً نرفض أن يكون عليه فيتو»، أطرف من يواجه التعقيد الحكومي أن «النوّاب الستّة» يتحدّثون ويقولون كلاماً من العيار الثقيل، الجماعة «مصدّقين حالهن»، ويظنّون فعلاً أنّ البلد ومصيره ومصير الحكومة «واقف عليهن»، «سعادتهم آخدين راحتهم عالآخر» فبحسب قاسم «نطرح إسماً واحداً نرفض أن يكون عليه فيتو»، تخيّلوا مثلاً في بلد العجائب لبنان قد يخرج لنا حزب الله من كمّ هؤلاء اسم «شاكر البرجاوي» أو «مصطفى حمدان» ومن لفّ لفّهم وممنوع وضع فيتو على من يسمّون،»مسخرة»، لا يقال أكثر من ذلك في هكذا طروحات «بلهاء»!!
التنظير عن «التضحية» الذي سمعه اللبنانيّون من رميش على لسان وزير الخارجيّة جبران باسيل بأنّ «هدية عيد الميلاد ستكون إعلان الحكومة وعلى الجميع أن يضحي لولادتها» يثير الدّهشة خصوصاً وأنّ الوزير باسيل كان الأسرع عبر تويتر «لتنفيس» الحديث عن أن يكون الوزير السُنّي من حصّة رئيس الجمهوريّة، ثمّ يُحاضر بأنّه «على الجميع أن يُضحّي»،»ضحّي أنت» معالي الوزير، وتنازل عن وزير من الثّلث المعطّل الذي احتكرته بخلط حصّة الرئيس مع حصّة التيّار الوطني الحرّ، وتريدون أن تقنعوا اللبنانيّين بأن هذا ليس ثلثاً معطّلاً!!
بكلّ الأحوال مصادر «المستقبل» سارعت إلى تثبيط التفاؤل الوهمي الذي أشاعه وزير الخارجيّة فحصرت التفاؤل في «حديث باسيل عن التفاؤل بقرب تشكيل الحكومة يصبّ في سياق الحديث عن ان تشكيل الحكومة بات في المئة متر الاخير»، «والله أعلم» متى تنتهي هذه المئة الأخيرة، خصوصاً أنّ الرئيس الحريري ما يزال ويجب أن يبقى على موقفه فلا يستقبل من يريد أن يفرض لقاءهم عليه حزب الله إمعاناً في تحطيم صورة الرئيس سعد الحريري وإظهاره أمام «الطائفة السُنيّة» بصورة الضعيف الذي يرضخ ويخضع لأوامر حزب الله، حتى في مهمة تأليف حكومة حصر الدستور مهمة تشكيلها بين الرئيس المكلّف وبين رئيس الجمهوريّة، فإذا بنا نرى ميليشيا مدّججة بالصواريخ والأجندات الخارجيّة تريد أن تفرض على طائفة أخرى نواباً يمثّلونها بالإكراه، وفي الأساس هم وصلوا إلى هذه المقاعد بأصوات طائفة أخرى!!
ثمّة الكثير ممّا لا يبعث على التفاؤل، بل لا نصدّق ذرّة من موجات التفاؤل الوهميّة هذه، نكاد نقول إن «المئة متر» الأخيرة ستحتاج إلى وقت يستغرقه «مئة كيلومتر»، وعلى المستعجلين الذين يصرخون ليل نهار بضرورة تشكيل الحكومة أن يتوجّهوا نحو المعطّل الحقيقي وهو حزب الله ويتجرّأوا ويطلبوا منه أن يفك العقدة التي عقدها، هذا إذا كانوا يريدون فعلاً تشكيل حكومة!!