يبدو انّ الصراع داخل الحكومة سيستمر قائماً لأسباب كثيرة وحول مواضيع عدة، برز منها أخيراً موضوع ملء الشغور في المواقع العسكرية الشاغرة حالياً والمتوقع ان تشغر مع بداية العام المقبل، وبخاصة موقع قائد الجيش جوزيف عون، الذي تفيد مصادر رسمية انّه يتحاشى قدرالمستطاع الخوض في موضوع التمديد له، بل يركّز في لقاءاته مع بعض المسؤولين والمرجعيات على ضرورة ملء الشغور في المؤسسة العسكرية، حرصاً منه على استمرارية عملها ضمن القوانين والأنظمة المرعية، كما يحرص على ذلك وزير الدفاع موريس سليم، بحيث ينأى الرجلان بنفسيهما عن الكلام في هذا الموضوع أمام الإعلام، ويكتفيان بطرح القضية من باب وطني وقانوني بحت لا استهلاكي. بينما يقول معارضو التمديد للقائد انّ «اسبابهم مبدأية قانونية ودستورية وليس لأسباب شخصية»!
وبغض النظر عن التسريبات التي تنُشر هنا وهناك عن موقف الوزير والقائد، فإنّ المصادر الرسمية تدعو الى عدم الخوض اعلامياً وسياسياً في موضوع المؤسسة العسكرية بكل كبيرة وصغيرة، حرصاً على مصلحة الجيش ومعنويات عناصره كونه المؤسسة الوحيدة الباقية متماسكة وصامدة في ظل الانهيار الكبير لكل مقومات مؤسسات الدولة.
لكن مشاكل الحكومة تبدو اكبر من موضوع المؤسسة العسكرية، فهناك مقاطعة لعدد من الوزراء لجلساتها، ورفض من بعض القوى السياسية لما يصدر عنها من مراسيم وقرارات يعتبرونها غير شرعية، لأنّ الحكومة في مرحلة تصريف اعمال ولا تتقيّد بالنصوص الدستورية الكاملة التي تحكم اعمال حكومة تصريف الاعمال، وتطرح جداول اعمال فضفاضة للجلسات ليست من اختصاص حكومة غير كاملة المواصفات، بينما ثمة فريق آخر يرى انّ التحدّيات الكبرى والخطيرة التي تواجه البلاد تستلزم اتخاذ قرارات لتسيير المرافق العامة على الصعد الإدارية والاقتصادية والمالية والمعيشية والامنية والصحية وسواها.
المعارضون لجلسات الحكومة يطرحون مقاربة مختلفة عمّا يطرحه الآخرون، لا سيما حول اعتماد المراسيم الجوّالة او تواقيع الـ 24 وزيراً عند الضرورة في ظلّ الشغور في موقع رئاسة الجمهورية، استناداً الى تجربة حكومة الرئيس تمام سلام عند حصول الشغور الرئاسي سنتين بين الأعوام 2014 و2020. ويرى هؤلاء المعارضون انّ حكومة تمام سلام كانت شرعية وكاملة المواصفات، لأنّها لم تكن مستقيلة كما هي حال حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، لذلك يطرحون في كل حركتهم ولقاءاتهم السياسية ضرورة احترام الدستور في تصريف الاعمال «ومعالجة لبّ المشكلة بإنتخاب رئيس للجمهورية»، متناسين انّ المعارضة هي سبب التأخير ايضاً في انتخاب الرئيس، بعدم توافق مكوناتها ورفضها كل الاقتراحات التي تقدّم بها الآخرون لا سيما الرئيس نبيه بري.
ولكن تردّ مصادر «التيار الوطني الحر» على اتهامه بتعطيل اعمال مجلس الوزراء مراراً نتيجة مقاطعته للجلسات، الى انّ الرئيس ميقاتي وبعض القوى السياسية رفضوا سابقاً اقتراحاً بأن يتولّى وزراء الحكومة مجتمعين (24 وزيراً) التوقيع على المراسيم والقرارات المهمّة التي تتمّ مناقشتها ويُفترض أن تصدر، وانّ هذا الاقتراح كان يمكن ان يكون المخرج للخلاف حول عمل الحكومة. لكن مصادرحكومية اخرى ترى انّ التيار يقع هنا في تناقض، إذ يطرح تارة توقيع 24 وزيراً، وطوراً يعتبر انّ الحكومة هي في حالة تصريف اعمال وليست كحكومة الرئيس تمام سلام، ولا يجوز ان تتخذ قرارات بخاصة في التعيينات بغياب رئيس الجمهورية.
على هذا، سيبقى الصراع قائماً حول طبيعة عمل الحكومة وقراراتها، لا سيما في ضوء التطورات السياسية والامنية المتلاحقة في لبنان والمنطقة التي عطّلت المساعي الخارجية، وتمنع اي توافق على انتخاب رئيس للجمهورية وعقد جلسات لمجلس النواب لا انتخابية ولا تشريعية حتى. ما يعني بقاء المؤسسات الرسمية والدستورية شبه مشلولة وعاجزة عن معالجة ملفات بالغة الاهمية، كملف عودة النازحين وإجراء الإصلاحات البنيوية المطلوبة في الادارة والاقتصاد والمالية العامة.