ليست وظيفة الصحافي أن ينتقد وحسب. دوره أكبر من الانتقاد للانتقاد. البعض «لا شغلي ولا عملي» له (… ولهم) سوى الانتقاد.
وكأنّ مهمة الصحافي أن يرابط على الكوع ناصباً فخاخاً للعابرين. صحيح أنّ دور الصحافي أن يكون حاضراً للمشهد العام (السياسي، الاقتصادي، النقابي، الاعلامي…) ولكن ليس من زاوية الهدف المحدد سلفاً وهو البحث عن السلبيات وحسب!
إن الشهرين اللذين انقضيا على نيل الحكومة الثقة حفلا بكثير من الإيجابيات، وأيضاً بسلبيات. ولسنا في وارد تعداد هذه وتلك، فهذا شأن أهل السلطة ومستشاريهم ووسائط إعلامهم الرسمية والخاصة. فقط نود أن نقول إنّ البلد تحوّل الى ورشة حقيقية في «حكومة العهد الأولى»، الحكومة الحريرية الحالية، التي فتحت الباب على مصراعيه نحو ورشة اقتصادية إصلاحية قد يكون من المبكر إصدار الأحكام عليها.
ولكن من يُنكر أن ما نشهده على صعيد تقويم الاعوجاج في القضاء ليس حدثاً إيجابياً مهما تعددت التعليقات حوله؟!
ومن ينكر أنّ الغطاء مرفوع (عملياً إن لم يكن بالنص القانوني) عن المؤسسات والإدارات العامة قاطبة. بحيث لا يكاد يمرّ يوم واحد من دون فتح ملف هنا، وكشف مستور هناك، وتحرّك النيابة العامة تلقائياً هنالك أو بمبادرة وزارية في مكان آخر؟!
ليس مألوفاً كثيراً في لبنان، وفي بلدان المنطقة، وفي الكثير من بلدان العالم أن يقف رئيس الجمهورية ليعلن، على الملأ، وبالفم المليان: لا أحد فوق القانون وليضيف كُلنا تحت سقف القانون وعرضة للمحاسبة. ولكن هاتوا مستنداتكم والأدلة.
وهل يمرّ يوم من دون أن نسمع رئيس الحكومة يتحدث عن «رفع الغطاء» عن أي مرتكب؟! .. وأما رئيس مجلس النواب فقد سبق أن أعلن، بدوره، أن الغطاء مرفوع عن أي مخالف أو مرتكب.
والقضاء في حدّ ذاته، الذي تناولت الإجراءات بعضاً من رموزه، يبدو كأنه في ورشة مفتوحة على الملاحقة والمحاكمة وإصدار الأحكام.
ثم على الصعيد الوزاري، ألا يقتضي الإنصاف الإقرار للكثيرين من الوزراء بهذا الحراك الكبير الذي يقومون به… وعلى سبيل المثال لا الحصر وزير الصحة الذي يتنقل في أرجاء البلد من جنوبه الى شماله، ومن شاطئه الى بقاعه، فيتفقد المستشفيات عارضاً أحوالها مكتشفاً النواقص، كاشفاً أسباب التعثر في كل منها؟!
وهل نكشف سراً إذا قلنا إنّ حداً من الفلتان في الإدارة العامة بدأ يبدو منضبطاً في سرعة لم تكن متوقعة، إذ أدرك الجميع حقيقة، أن الغطاء مرفوع فعلياً (عموماً) عن الجميع بمن فيهم أصحاب الرؤوس الحامية الذين كانوا يظنون أنهم فوق المحاسبة، وأن أحداً لا يمكنه أن يمسّ بهم أو أن يزعج خواطرهم أو أن يرشقهم ولو بوردة؟!
أشرنا الى هذه الحقيقة التي تعبر عن ذاتها بذاتها، لنقول إن هذه الورشة مهمة جداً والأمل في أن تطلع علينا بالنتائج المرجوة كي لا يصح القول: حركة بلا بركة.