IMLebanon

حكومات اللعب على حافة الهاوية

عشرة أعوام على اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، تعاقبت خلالها على إدارة البلاد سبع حكومات، وشهد لبنان فترات استقرار مثلما شهد مراحل من التوتر كادت معها الوحدة الوطنية بين المكونات السياسية في البلاد أن تهتز. في تلك المرحلة الماضية، تجاوزت البلاد قطوع الخطر أحياناً كثيرة، في الوقت الذي لعبت فيه الأطراف الكبرى بدقة على الخطوط الحمراء في البلاد، من دون أن تسقطها.

كانت أولى تلك الحكومات حكومة الرئيس الراحل عمر كرامي التي شكّلت في تشرين الاول من العام 2004 حتى 28 شباط 2005 حين قدّم استقالته بعد اسبوعين من اغتيال الحريري. ذهبت تلك الحكومة ضحية الهبة الشعبية التي انطلقت استنكاراً لاغتيال الحريري، ليشكّل بعدها الرئيس نجيب ميقاتي حكومة لثلاثة أشهر أشرفت على إجراء الانتخابات النيابية، وعُدّت بمثابة مرحلة انتقالية بين عهدين، عهد مضى برموزه، وآخر أقبل بوجوه جديدة استثمرت خروج الجيش السوري من لبنان وبروز رموز ما سُمّي بـ «انتفاضة الاستقلال» التي كانت التظاهرة الضخمة في 14 آذار من ذلك العام أبرز تجلياتها.

يتقاطع قياديان في قوى «8 و14 آذار» على اعتبار حكومة ميقاتي بالممهّدة لفترة من الاستقرار في البلاد، تبعتها حكومة الرئيس فؤاد السنيورة بين عامي 2005 و2008. ويمكن تقسيم مرحلة حكومة السنيورة، حسب القيادي في «14 آذار»، الى قسمين:

الاول يمتدّ حتى عدوان تموز من العام 2006، وفيه شهدت البلاد مرحلة من الاستقرار السياسي والحوار والنمو الاقتصادي والمشاريع الإنتاجية، وكان ثمة تناغم داخل الحكومة نفسها، برغم انسحاب الوزراء الشيعة منها.

بالنسبة الى قوى «8 آذار»، فإن مرحلة رئاسة السنيورة للحكومة لم تشهد ذلك الاستقرار الكبير لكون البعض فيها تجاوز الشراكة الوطنية، الامر الذي ادى الى انسحاب ومقاطعة الوزراء الشيعة أولاً، ثم الى استقالتهم في مرحلة لاحقة.

لم تسقط تلك الحكومة في الشارع، بل بالغت في تحدّي «حزب الله» بقرارين يتعلقان بملاحقة المسؤولين عن شبكة اتصالات المقاومة، فردّ الحزب عبر عملية عسكرية في 7 أيار 2008، دفعت تلك الحكومة ثمنها بعد أن انتقل اقطاب البلاد الى الدوحة والاتفاق على حل للأزمة السياسية في البلاد. ونتج عن اتفاق الدوحة استقرار معقول أثمر انتخاب رئيس للجمهورية، العماد ميشال سليمان. وجاء السنيورة على رأس حكومته الثانية في تموز من ذلك العام، وقد أجرت تلك الحكومة انتخابات نيابية في العام 2009، أسفرت عن تقدّم قوى «14 آذار» بشكل طفيف.. ثم جاءت الحكومة الاولى للرئيس سعد الحريري في تشرين الثاني من ذلك العام، واستمرت حتى سقوطها في 13 كانون الثاني من العام 2011. وتم اختيار نجيب ميقاتي لرئاسة الحكومة في 25 كانون الثاني من ذلك العام، التي استمرت حتى آذار العام 2013 حين قدم ميقاتي استقالته. ثم وقع الاختيار على تكليف تمام سلام رئاسة الحكومة في 6 نيسان من العام نفسه.

في قراءة لقوى «8 آذار»، فإن ثمّة فترات استقرار شهدتها البلاد على مدار السنوات العشر الماضية. «أثناء تولّي ميقاتي حكومته الاولى، كما في ظل حكومته الثانية التي شهدت اضطرابات في الشارع ضدها». إضافة الى الفترة الحالية التي تعيد فيها هذه القوى الاستقرار الى فشل رهان الفريق الآخر على التطوّرات السورية، وخشيته من النمو المتزايد للتيارات التكفيرية. ويتقاطع هذان العاملان مع بروز التغيّر في الموقف الدولي من التطورات في المنطقة. وتلفت تلك القوى النظر إلى أن الخارج حريص على الاستقرار في لبنان، ما يتقاطع مع ضرورة داخلية للقاء مع الآخر، ما أثمر ضبطاً للأمن وحوارات داخلية، في ظل حالة المخاض التي تعيشها المنطقة، بينما يحتدم الصراع الإقليمي في المنطقة في ظل انقسام دولي.

أما قوى «14 آذار»، فإن الفترة الذهبية في الاستقرار تتمثل في المرحلة التي تلت استشهاد الحريري وصولاً حتى عدوان تموز. تلك الفترة شهدت استقراراً سياسياً وتعاوناً بين الحكومة والمجلس النيابي وإنتاجية كبيرة، وشابتها عمليات اغتيال موجعة لشخصيات في تلك القوى، لكن الأمر لم يتطور الى هز أركان الوحدة الوطنية في البلاد. وتلتها مرحلة صعبة في ظل انقسام سياسي مرير حول عناوين كبيرة، وفراغ رئاسي، حتى التوصل الى الاتفاق في الدوحة.

بنظر تلك القوى، تمكنت الحكومة الثانية للسنيورة من تجاوز الشغورين الرئاسي والنيابي في العام 2008. كما شهد ذلك العام تشكيل حكومة جديدة بعد فترة نزاع ممهدة لفترة استقرار دامت حتى سقوط حكومة الحريري، التي تشكلت على قواعد ائتلافية، العام 2011.

بين النصف الثاني من العام 2008، وبداية العام 2011، شهدت البلاد استراحة واستقراراً، وكان ثمّة التزام من قبل القوى الكبرى كافة، داخلياً وخارجياً، بضبط قواعد اللعبة.

مع سقوط الحريري وتولي ميقاتي، مع بداية زلزال ما سُمّي «الربيع العربي» ووصوله الى سوريا، شهدت البلاد توتراً مع ارتفاع وتيرة ضغط قوى «14 آذار» على حكومة ميقاتي لتقديم استقالته.

ولكن كيف تفسّر تلك القوى استقرار اليوم الذي جاء بعد فراغ حكومي شهد عمليات أمنية دامية؟

يلفت قيادي في «14 آذار»، النظر إلى أن العامل الأهم الذي ساهم بترسيخ هذا الاستقرار، يتمثّل في الحرص الشديد لدى الأطراف كافة والقناعة بتشكيل حكومة شرعية وقادرة على أن تتولى زمام الامور والحفاظ عليها، لأن من شأن اي شغور ان يفجر الاوضاع في البلاد في ظل الغليان الإقليمي الحالي.

هذا الأمر يعني أن ترقب المخاطر الإقليمية دفع الى الحفاظ على الحد الأدنى من التماسك والتضامن، خاصة أن الحكومة تشكلت في ظل استشعار لحالة فراغ رئاسية كانت مقبلة على البلاد. كما يشيد القيادي بالدور المحوري الذي يؤديه سلام للحفاظ على التفاهم في مجلس الوزراء وتطويق الخلافات داخل الحكومة.

وثمة أمر آخر بالغ الأهمية، حسب القيادي، يتمثل في حرص الدول الخارجية، ومن بينها الولايات المتحدة الاميركية، ولكن خاصة الدول الاوروبية، على تثبيت حالة الاستقرار في لبنان وإبعاده عما يجري في المنطقة، ذلك أن أيّ انفجار داخلي قد يوسّع دائرة المخاطر بكاملها في المنطقة.