IMLebanon

عذراً سعادة محافظ بيروت

 

يعتقد الكثير منّا أن الظلم أو الديكتاتورية والعبودية تبدأ بشكل فجائي دون وجود عناصر أو بيئة حاضنة لهذه الحالة المرضية. إن أكبر الطغاة لم يظهروا ويبطشوا لولا وجود ثقافة الخنوع والقبول حاضرةً ومترسخةً في عقول الناس كي يقبلوا أن يأتي إنسان مثلهم يأكل ويشرب ويمرض يتحكم بمصير أممٍ بأكملها، فالعبودية مع الوقت تصبح ثقافة تتربى عليها أجيالٌ لن تعرف مدى الحرية والكرامة الإنسانية، إن الإنسان يولد حر حسب فطرته السليمة، فهو حر في الاختيار وحر في المأكل والمشرب، وأهم حرية يتمتع بها الإنسان، هي الحرية الفكرية وهذه ميزة وهبها الله سبحانه وتعالى للمخلوق وأعطاه أيضًا حرية الكفر به، فمن شاء فليؤمن وشاء فليكفر، وهذا كله دليلٌ على أن الحرية هي أساس لحفظ الكرامة الإنسانية.

في لبنان، لقد أصبحت الكثير من المفاهيم غائبةً عن أذهان الناس، مما شكل صراعاتٍ وصدماتٍ لا حصر لها، ومنها مفهوم الحكم والحاكم في مصطلح السياسة وعلومه الواسعة، ففي كتاب جان جاك روسو «العقد الإجتماعي» يقوم المواطن بالتخلي عن بعض من حقوقه لصالح الحاكم، ولكن بالمقابل يقوم بالحاكم بالحفاظ على حرية المواطن وكرامته الإنسانية وغيرها من حقوق، وهذا المفهوم أصبح غير موجود لعدة أسباب، فلقد أصبح المجتمع يمجد الحاكم ويشكره على أقل واجباته وهنا خطورة الموضوع، ولكن في الحقيقة إن أصغر موظف إلى رئيس الجمهورية هو خادم عند الشعب وليس العكس، فإن تعيينهم أو إنتخابهم هو تكليف وليس تشريفا، فعندما دخل أبو مسلم الخولاني على معاوية بن أبي سفيان قال له: «السلام عليك يا أيها الأجير»، نعم إن رئيس الجمهورية وكل من تحته هم أجراء عندنا، كي لا نطيل في سرد هذه القضية التي سوف نتناولها في مقالةٍ أخرى، فلقد حصل معي موقف يجب الوقوف عنده.

في صباح كل يوم، قبل التوجه إلى مكتبي، أذهب إلى محل بقالةٍ الواقع في مبنى محافظة بيروت كي أشتري شيء كي آكله، والبارحة أثناء وجودي هناك رأيت قرابة الـ12 عسكريا من فوج الحرس البلدي واقفين متأهبين، فسألت أحدهم:  «ما القصة؟» فأجابني قائلًا: «ننتظر سعادة المحافظ، فلقد وصل إلى بيت الكتائب متوجهًا إلينا»، فقررت أن أنتظر كي أرى المشهد، حين وصل بسيارته الفارهة ركض ثلاثة عساكر يحاولون فتح الباب ويحيط بالسيارة قرابة 10 عساكر، كلهم واقفين كي يستقبلوه، وطبعًا هذه المسرحية تحصل كل يوم، ففكرت في نفسي قائلًا: «ماذا سوف يحصل لو إنتقدته أمام العساكر وسألته كيف تحافظ على بيروت وأنت لم تحافظ على كرامة هؤلاء الشباب الذين ينتظرونك فقط كي يفتحون لك باب السيارة وهي ليست وظيفتهم؟».

المشكلة، أن هؤلاء نحن من ندفع مرتباتهم ومعاشاتهم من الضرائب كي يخدموا الناس وليس كي يفتحوا أبواب سيارة موظف لدى الشعب، فعندما رأيته قلت في نفسي: «رغم كل المصائب التي حصلت في بيروت ولبنان من كورونا وتفجير المرفأ وأزمةٍ إقتصاديةٍ ونقدية كبيرتين وثورة، إلا أن تلك المصائب لم تغير تفكير أصحاب المناصب الكبرى»، وهذا التصرف سوف يعكس  تلقائيًا على الموظف الأصغر منصبًا الذي سوف يشعر بالإهانة وينتقم طبعًا من المواطن المسكين الذي لا يملك لا قوةٍ ولا منصبٍ ولا أي حقوق للأسف.

لقد كتبت هذه المقالة كي أقول لكل المسؤولين والوزراء والضباط وكل من هو في الدولة، الدولة يجب أن تكون في خدمة الشعب وليس العكس، وما حصل من هذه القصة الصغيرة يؤكد أن الفكرة السائدة في المجتمع السياسي لا زالت على ما هو عليه، ولم تتغير، وهذه الثقافة لا بد أن تتغير وأن نسعى جميعًا كي نكسرها ونحاربها، ورسالتي للمحافظ، أنا لا أعرفك شخصيًا ولكني سمعت أن أخلاقك الحميدة والمتواضعة، أتمنى أن يتم إصلاح هذا الشيء وأخذ إجراءات سريعة في هذا الخصوص، فهؤلاء ليسوا عبيدا وليسوا موجودين لخدمتك الشخصية إنما تم تعيينهم لخدمة أهلهم وناسهم وشعبهم، طبعًا هذه الرسالة ليست موجهة حصرًا للمحافظ، إنما هي موجهة لكل موظف في الدولة. سيأتي اليوم الذي سوف يدرك مجتمعنا أن الدولة هي لخدمة وحماية الشعب.