Site icon IMLebanon

سباق مع الفوضى قبل أيلول

 

 

لم يهنأ القائم مقام حاكم البنك المركزي وسيم منصوري ورفاقه في «التقليعة» التي يريدونها لمهمّتهم. وكما كان متوقعاً، تهرّبت المنظومة من وعودها لهم، وأخذت الرأي العام إلى مكان آخر، إلى مسرحية تضيع فيها الوعود ويتمّ تقاذف المسؤوليات. إذاً، فريق الحاكمية الجديد «أول دخولو شمعة ع طولو». فكيف سيردّ على هذا التحدّي؟

يعتقد البعض أنّ فريق القيادة الجديدة في مصرف لبنان لم يُظهر ما يكفي من الصلابة والتشدّد في رفض العودة إلى الممارسات التي سادت خلال ولاية رياض سلامة. وفي تقدير أصحاب هذا الرأي، أنّ أهل السلطة استدرجوا هذا الفريق ليوافق على تولّي المهمّة البالغة الدقّة في قيادة مصرف لبنان. وعندما تحقّق لهم ذلك، بدأوا يسحبون أيديهم شيئاً فشيئاً، حتى يكاد أركان هذا الفريق يجدون أنفسهم متورطين في مهمّة لم يكونوا يريدونها بهذا الشكل.

في رأي هؤلاء أيضاً: كان على نواب الحاكم أن يرفضوا العودة إلى أي نوع من التداخل بين المصرف المركزي والسلطة التنفيذية، أي أن يرفضوا قطعاً تمويل الدولة بعد اليوم، لا بتشريع صادر عن المجلس النيابي ولا من دون تشريع، لأنّ مبدأ التمويل يتناقض واستقلالية المركزي، ومن شأنه أن يقود إلى المسار إيّاه الذي سلكه سلامة وأوصل إلى الكارثة.

الأشدّ سوءاً هو أنّ قوى السلطة بدأت تماطل وتتهرّب من التشريع الذي يسمح للمركزي بإقراض الدولة، فيما يدرك الجميع أنّها لن توافق أبداً على أي من الخطوات الإصلاحية التي يطالب بها صندوق النقد الدولي، سواء لجهة إقرار موازنة عامة شفافة وإصلاحية، أو إقرار قانون الكابيتال كونترول المناسب وتوحيد أسعار الصرف أو هيكلة القطاع المصرفي أو ترشيق الإدارة العامة. فهذه القوى هي المستفيدة من الخلل، ولو أرادت إقرار أي خطوة إصلاحية لفعلت ذلك قبل سنوات.

في المقابل، ثمة من يدافع عن موقف فريق الحاكمية، ويقول إنّه كان مرغماً على قبول المهمّة بناءً على نص قانون النقد والتسليف. وكذلك، ثمة مسؤولية وطنية تدفعه إلى الإمساك بالزمام تجنّباً لانحدار الوضع المالي والنقدي نحو مزيد من الخراب. كما أنّ موافقة الفريق المشروطة على إقراض الدولة، لستة أشهر فقط، وبمبلغ مضبوط شهرياً، هي أيضاً خيار اضطراري، إذ هناك حاجة إلى القبول بمرحلة انتقالية يعبر فيها المركزي من وضعية الفلتان الكامل إلى الانضباط.

في أي حال، هناك ساعات أو أيام قليلة حاسمة أمام القائمين مقام الحاكمية. فكيف سيتصرّفون في مواجهة هذا التحدّي السياسي؟ هل «يبلعون الموس» تحت الضغط، أم يعلنون الانسحاب من المسرح تاركين للعبة أن تفلت على غاربها بلا ضوابط، على طريقة «عليّ وعلى أعدائي يا رب»؟

والضغط الأكبر على فريق الحاكمية يكمن في الضغط الذي تتعمّد قوى السلطة ممارسته، بتحميله المسؤولية عن انقطاع رواتب العسكريين والأمنيين والأدوية. فدوران الحياة في البلد، خلال آب الجاري، منوط بالقرار الذي سيتخذه فريق الحاكمية. ومن الممكن أن يتسبّب أي قرار متسرّع في هذا الاتجاه أو ذاك إلى وقوع فوضى عارمة. ولذلك، سيكون على الفريق الجديد أن يدرس خيارات كلها صعبة، ويختار الأقل مرارة.

ولكن، في الموازاة، قوى السلطة لن تتراجع، وهي تريد الموازنة بين أمرين:
-1 إظهار قدرتها أمام الخارج على ضمان الحدّ الأدنى من ضبط الوضع الداخلي، مالياً ونقدياً وسياسياً وأمنياً.
-2 «تدجين» الطاقم الجديد في مصرف لبنان، بحيث يدخل تدريجاً في مناخات الممارسة السابقة، ولو بطرق أخرى، ويتراجع عن الدعوة إلى تنفيذ الإصلاحات التي يطالب بها المجتمع الدولي. وثمة من يعتقد أنّ هذا «التدجين» ليس صعباً على غالبية نواب الحاكم، لأنّهم محسوبون على قوى سياسية تستطيع منع «تمرّدهم».

وتريد السلطة حسم هذه المسألة سريعاً، استباقاً لأيلول الذي يُتوقع أن يكون ضاغطاً، مع عودة الوسيط الفرنسي جان إيف لودريان وعزمه على إقامة حوار حول الملف الرئاسي. وهذا الحوار تريده قوى السلطة غطاءً لشروطها. ولذلك، هي تتجنّب أن تؤدي التطورات في مصرف لبنان إلى فوضى تطيح كل شيء. فأي كفّة ستُرجّح في السباق: المَخارج أم الفوضى؟