يتصرّف المسؤولون في وزارة الأشغال العامّة والنقل، سنوياً، وكأن المطر لعنة تسقط فوق رؤوسنا. والأهم وكأنه حدث مفاجئ. أو كأننا نعيش في بلد لا يعرف الأمطار والغيوم والبروق والرعود. ويبدو من هذا «التقليد» السنوي إننا لا نعي أن الأمطار تتساقط، عندنا، منذ أن كانت هذه الطبيعة اللبنانية، أي منذ فجر التكوين.
قبل أسابيع قرأنا أن رئيس الجمهورية حث وزارة الأشغال والمحافظات على القيام بالواجب تداركاً لما قد يتسبّب به هطول الأمطار بغزارة من سيول وأضرار وإنعكاسها على الناس… وقرأنا في اليوم التالي أن جميع المعنيين قد «قاموا بالوجب» سواء أتلبية لطلب الرئيس عون أو بمبادرات ذاتية… وانفرجت أساريرنا. وقلنا: الحمدلله هذه السنة الشباب «مسيطرون» على الوضع.
أمس هطلت الأمطار بما يمكن وصفها أنها أمطار طبيعية جداً جداً… ولم يكن ثمّة مبرّر لحدٍ أدنى من الأضرار التي لا يقل عنها بشاعة مشهد آلاف اللبنانيين مسجونين في سياراتهم بإنتظار الفرج! لماذا؟ لأنّ القيمين على الجهات الوارد ذكرها أعلاه لم يكلّفوا خواطرهم أن يدققوا في الأشغال التي نفذت، ومدى مطابقتها الضرورة، ومدى صلاحيتها في مواجهة السيول.
أجل! السيول. فقط السيول الناجمة عن الأمطار.
السيول وليس الفيضانات… الأمطار (العادية جداً جداً) وليس الزلازل، أبعد الله شرورها عن لبنان وشعبه.
يا جماعة بلدنا معروف بتميزه عن الجوار كلّه بغزارة مياهه.
فمن منكم يجهل هذه «المعلومة» البدهية؟! نعرف إنكم تعلمتموها في الصفوف الإبتدائية. ولكن هل نسيتموها عندما صار من واجبكم، في المسؤولية، أن تذكروها جيّداً… والذكرى تنفع المؤمنين؟!
وأمّا تحوّل المياه إلى البحر فهذا شأن آخر، وبالغ الأهمية أيضاً. وهو خسارة كبيرة في زمن بات الصراع على نقطة الماء يوازي (إن لم يكن أهم وأخطر) الصراع على نقطة النفط! ولسنا في وارد فتح ملف السدود والحاجة الماسة إليها ليس فقط من أجل الإكتفاء الذاتي في لبنان، إنما أيضاً لتصديرها إلى البلدان المحتاجة حيث يلجأون إلى تحلية مياه البحر. ورحم الله ذينك الكبيرين الشيخ موريس الجميل وإبراهيم عبد العال. ويحضرني كلام الجميّل عن مشروعه الذي يقوم على إستخدام أنابيب النفط الممتدة من السعودية إلى لبنان «التابلاين». وخلاصة ذلك المشروع أن الأنابيب ذاتها التي تأتي بالنفط الخام للمصافي اللبنانية، يضخ لبنان فيها كميات المياه الى المملكة ومنها إلى بلدان خليجية!
الله الله يا دني… من هكذا مشروع رائد رؤيوي إلى العجز عن فتح مجرور أمام سيول المياه المهدورة!
