مشاركة كسروان ملحوظة هذه المرة في اعتصامات وسط بيروت، وهي تعكس تغييراً خجولاً بدأ يلوح في كسروان، رغم أن «اليائسين» لا يزالون كُثراً
يوم السبت الماضي، خرج أحد المهندسين الكسروانيين ليُشارك بالاحتجاجات غير مبال بهوية المنظمين وغياب التنسيق في ما بينهم. صحيح أنه انزعج من عدم وجود رؤية موحدة وعناوين واضحة يُنادون بها، إلا أنه شعر بأن أقلّ واجباته المُشاركة في أي «تحرك هدفه المطالبة بحقوق المواطن» بعدما «طلّق» الساحات لسنوات عديدة بسبب فقدانه الأمل بمختلف الطبقة السياسية، وخصوصاً تلك التي انتخبها في كسروان.
غمرته النشوة من جديد ونزل من أجل الحفاظ على ما تبقى من كرامته كمواطن تُنتهك أبسط حقوقه. وأمس، عاد الشاب من جديد إلى الشارع، مصطحباً معه رفيقه هذه المرة لتكبر كرة الثلج، مع العلم بأنه ناشط في مجتمع دائماً ما يُتهم باللامبالاة بما يحصل حوله، بعدما نجح ممثلوه السياسيون في تعزيز تقوقعه وترويضه. ويبدو واضحاً أن غياب المرجعيات السياسية والأحزاب الفاعلة يسهم في دفع الشباب هنا صوب الانخراط أكثر فأكثر بالتحركات الشبابية الجديدة. فالنواب الأربعة غائبون بالكامل عن السمع، ورداً على سؤال عن عدم مشاركته في التظاهرة أمس مثلاً، يقول النائب فريد الخازن إن أحداً لم يُبلغه بالتظاهرة وإنهم لم يتحركوا لعدم امتلاكهم حلولاً يُقدمونها للناس. أما النواب السابقون، فمنهم من يستمتع بصيف إهدن «النظيفة» كفريد هيكل الخازن، ومنهم من قرر الاستقرار في يخته، فيما هاتف منصور البون خارج السمع. أما البلديات فتقترح الحلول وتتراجع عنها تحت ضغوط سياسية وشعبية.
البارحة، كان لافتاً هذا الخرق في المشهد العام للقضاء. إحدى النساء تنقلت بين الكاميرات متباهية بأنها أتت من فقرا (كفرذبيان) وتريد أن تتحدث الى الكاميرا عن ذلك. شبان من كفرذبيان نشروا صورهم على وسائل التواصل الاجتماعي فخورين بأنهم «أحفاد ثورة طانيوس شاهين». وباصات عديدة وصلت من جونية التي تباهت بلديتها بأنها أول من «يُخلّص» منطقتها من الزبالة، قبل أن يتبين أنها «تُهرّبها» الى منطقة الشمال. وعليه، جونية التي تغرق أحياؤها بالزبالة، ساهمت في «انتفاضة» أمس.
مُقابل هذا الواقع المُستحدث واللافت، جلست امرأة كسروانية أمام شاشة التلفاز تتمنّى لو أنها تُشارك في التظاهرة. إلا أنّ هذا التمني لم يُترجم في أي مكان. إحباطها المُتراكم منذ سنين وعدم إيمانها بأي قوة تغييرية، والأهم خوفها من الأوضاع الأمنية، كلها أسباب تمكنت منها، فلم تستطع أكثر من التضامن «الافتراضي». المشاكل بالنسبة إليها لم تعد تُطاق، لكنها في الوقت نفسه تطلب من أولادها عدم المُشاركة في هذه التظاهرات «طالما في مين عم يتظاهر عنكم». كمية الزبالة في الشوارع كافية لأن تنقل غضب الكسروانيين الى مستوى آخر، وخصوصاً أن في كلّ قرية كسروانية مناطق مُقفلة بالنفايات والروائح فيها مقيتة، إلا أن الحماسة في داخلهم لا تزال مكبوتة. جولة في قرى القضاء تؤكد أن ما ينقصه هو الثقة بكادر قيادي. لا يريدون أن يكون تحركهم «ردّ فعل» وخاصة أنهم لمسوا «ضياع مسؤولي المجتمع المدني وإرباكهم». في كسروان «مُجتمع مدني» ما زال مشغولاً في «رص الصفوف» والبحث عن «عناوين» تُرافق مُشاركتهم في التظاهرات المركزية. أما حجتهم، فهي أن «مشاركتنا يجب أن تُشكل فرقاً وتكون عناويننا واضحة». والواضح هنا أن هؤلاء المسؤولين لا يقدرون جيداً حجم الغضب المتراكم في قضاء كسروان من الحرمان، في ظل تهافت «الأحزاب المسيحية» على انتزاع شرعيتها منه، من دون الاكتراث الى مطالب سكانه.