الدعوة «الكريمة» التي وجهها الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله الى المعترضين على تورّط حزبه في سوريا، للّحاق به إليها والى العراق، يبدو أنها ستخضع لإعادة نظر قد تفضي الى سحبها تماماً في ضوء مجريات الميدان في جنوب تلك النكبة كما في شمالها!
والواضح العاقل الذي لا تشوبه شبهة جهل أو جاهل، هو أن تلك الدعوة لم تكن سوى رَمية تعبوية، أخفت في مضمرها، معرفة نصرالله، وهو العارف الأكيد، أن التورّط في سوريا، ليس سوى استنزاف طويل المدى. وأن الافتراضات والحسابات التي حكمته في مطالعِهِ وبداياته (أيام القصير لمن يتذكر!)، كانت تفاؤلية أكثر من اللزوم، ومراهقة وليست ناضجة، واستندت الى قياسات فيها من الأوهام والخرائط السماوية، أكثر بكثير من الحقائق ووقائع الأرض والناس!
ولم يخطئ، من افترض ولا يزال، أن محور إيران رَكَبه وَهْم القدرة على الحسم ضد المعارضة السورية. في وقت كان يمكن أي قارئ مبتدئ غرّ في السياسة والجغرافيا والعلاقات الدولية وخرائط الدول والكيانات والثورات، «الانتباه» الى الفخ المنصوب! والى ان هذا النوع من الحروب يصير مثل المطحنة. وهذه تطحن، أول ما تطحن، أصحاب الرؤوس الكبيرة والحامية، والأدعياء منهم قبل غيرهم المتواضعين! وخصوصاً هؤلاء الذين ينفخون أدوارهم لجعلها تقريرية وحاسمة، أو الذين يدخلون الى ملاعب أكبر منهم، انطلاقاً من تجربة ذاتية لهم كانت أكبر من ملعبهم اللبناني الصغير!
لم ينتبه، أو بالأحرى، لم تركب القراءة الإيمانية المقدّسة في غرفة قرار «حزب الله» ومحور إيران، على منطق سوي يفيد بأن اسرائيل انهزمت في جنوب لبنان لأنها قاتلت في أرض ليست لها. وأميركا انهزمت في فيتنام لأنها ذهبت الى ارض ليست لها. والاتحاد السوفياتي (المرحوم!) انكسر وهرّ وتشظّى لأنه تورّط في أرض ليست له! وأن تجارب الأمس القريب من افغانستان أيضاً الى العراق، صالحة للتناسخ وإن بالمقلوب: المبدأ واحد والتفاصيل متنوعة. ما يسري على غيرك المحتل الغريب في أرضك، يسري عليك تماماً بتاتاً في أرض غيرك، وفي سوريا تحديداً. حيث أنت الغريب والمحتل والعدو المتعدد الطبقات، سياسياً ومذهبياً وحتى قومياً! وفوق ذلك كله، الخابز خبزك من عجينة واحدة هي لك كما لأعدائك، خميرتها الدم وطحينها النصّ الديني وتأويلاته المقدّسة!
فوق هذه البديهيات، أتت تفاصيل المواجهات الحديثة في منطقتي القنيطرة ودرعا جنوباً وفي منطقة حلب شمالاً، لتدلّ بالتفصيل الدموي على إنكسار الوهم وبطريقة مدوّية توازي تماماً حجم الدويّ الممانع الذي رافق المعركتين وسبقهما! حيث تبين، ان «الجنرال شتاء» لم يكن وحده مَن صدّ الجنرال سليماني وصحبَه اللبنانيين! وأن الضخّ التهويلي الممنهج لم ينفع شيئاً أمام حقائق الأرض والضخ الإرادي لمن عليها!
.. ويا حصرماً رأيته في حلب!