لم أصدّق، لغاية اليوم، ما سمعته من وزير الخارجية جبران باسيل عندما قال ان المهجرين يريدون أن يعرفوا أين دفن ذووهم في الشوف وعاليه.
أن يصدر مثل هذا الكلام عن وزير غير عادي، فحقيبة الخارجية في لبنان موقع كبير امتاز دائماً برجالات شغلوه ودخلوا التاريخ أمثال كميل شمعون وشارل مالك وشارل حلو وفيليب تقلا وجان عبيد وسواهم من الشخصيات الكبيرة.
يمكن لهكذا كلام أن يصدر عن شخص متهوّر في إطار حملة انتخابية… وربما حرق الأخضر واليابس بهدف الوصول…
الوحيد الذي نقدّره أنه لم يكن قد ولد بعد أو كان لا يزال طفلاً عندما وقعت أحداث الجبل وهي مسألة حسّاسة جداً وتداعياتها تستمر عقوداً وعقوداً طويلة ويقتضي التعامل معها الكثير من الحذر والمسؤولية، ومراعاة الحساسيات انطلاقاً من الحرص على الوحدة الوطنية وتعزيز المصالحة التي عقدت في الجبل برعاية البطريرك مار بطرس نصرالله صفير، أمدّ الله في عمره، والوزير وليد جنبلاط.
أكيد أنّ الرئيس ميشال عون لم يطلع مسبقاً على هذا الكلام لأنه يدرك تمام الإدراك الى أين يأخذنا جبران، والأكيد أيضاً أنّ جبران عندما تحدّث بهذه اللهجة لم يكن يدرك أبعاد كلامه، ولربما حمّسه البعض من دون أن يدرك عواقب كلامه.
الى ذلك، لا تزال التعيينات الديبلوماسية التي أجراها والقضائية التي تمت تتفاعل في الشارعين الاسلامي والمسيحي، خصوصاً هذه المرة أنّ وصول الرئيس ميشال عون جاء بعد “ورقة معراب” وبدعم من الرئيس سعد الحريري، ما يعني أنّ هناك، من حيث المبدأ، مشاركة يجب أن تكون بين الأطراف المذكورة أعلاه، وهذا لم يحدث وتسبب بشرخ في الشارعين المسيحي والاسلامي.
يقول البعض إنّ جبران قد ربح بهذا الكلام أنه أثار بعض الحساسيات عند الشباب المسيحي، فهذا الكلام يفرح به الوزير، ولكنه من نوع الهر الذي يلحس المبرد، فيكون يأكل دمه… فلا يمكن لإنسان عاقل يريد ويؤمن بالعيش المشترك أن يقبل بهكذا كلام كونه مشروع فتنة طائفية، ولا يستطيع أي زعيم مهما علا شأنه أن يقول هكذا كلاماً وأن يتحمّل مسؤوليته.
لبنان وطن حسّاس ودقيق الوضع، ويحتاج الى حكماء وعقلاء.
عوني الكعكي