تراجعت اندفاعة “التسوية الرئاسية” من دون أن تتوقف، ولا أن توضع جانبا. تباطؤ قطار “التسوية” يعود الى معارضة داخلية في طرفي الانقسام اللبناني التقليدي ٨ آذار و ١٤ آذار. ويبدو ان المشكلة التي يواجهها ترشيح النائب سليمان فرنجيه تكمن في ضعف التأييد المسيحي له على ضفتي الانقسام. فلا الجنرال ميشال عون يقبل مجرد التفكير في مرشح آخر. ولا الحزب المسيحي الاقوى في ١٤ آذار،”القوات اللبنانية”، يقبل مجرد البحث في اسم فرنجيه رئيسا، بينما يعتصم الحزب الثاني أي الكتائب اللبنانية بصمت جزئي خشية ان يجد نفسه وحيدا على الساحة المسيحية المعبأة لأسباب وخلفيات متنوعة ضد انتخاب سليمان فرنجيه.
لا شك ان الكرة تبقى في شكل اساس في ملعب قوى ٨ آذار، في ظل رفض عون المطلق، وصمت “حزب الله” السلبي حتى اليوم بشأن ترشيح فرنجيه. واذا كان الاخير يشعر بأنه قادر على مقارعة عون، فإنه بالتأكيد لا يضع في حساباته احتمال مواجهة رفض عون وسلبية “حزب الله” في آن واحد. و يبقى السؤال المطروح ماذا يريد “حزب الله” حقيقة؟ هل يريد اقتناص الفرصة الجيدة الآن، أو ينتظر تغييرا اقليميا حاسما يتيح له فرصة أفضل وأثمن في المستقبل؟
الكرة ايضا في ملعب قوى ١٤ آذار المسيحية، وإن بدرجة اقل. فحزبا “القوات اللبنانية” والكتائب اللبنانية يرفضان حتى اليوم البحث في اسماء مرشحين غير قائديهما، فيما حظوظهما في نيل تأييد عون لأحدهما معدومة. أما خيار الرد على مبادرة “التسوية الرئاسية” عبر تأييد عون فخيار بعيد في نتائجه على اكثر من صعيد محلي وخارجي.
إذاً نحن امام مأزق حقيقي بالنسبة الى المبادرة التي تواجه مشكلة مع المسيحيين الثلاثة الكبار في مواجهة اختيار المسيحي الرابع مرشحاً جدياً لرئاسة الجمهورية. والسؤال، كيف يمكن الإفادة من عودة الزخم الى موضوع الاستحقاق الرئاسي لحل أزمة الشغور المديد؟ هل يمكن توقع حصول اتفاق مسيحي ثلاثي على اسم من خارج نادي الكبار؟ ام ان الجنرال عون سيبقى متشبثا بموقفه غير القابل للصرف عمليا في انتخابات الرئاسة؟ و هل ان موقف حزب “القوات اللبنانية” الذي تقاطع مع عون في معارضة وصول فرنجيه سيمنح أصحابه موقفا أقوى لإقناع عون بالبحث معا عن اسم يطمئن القوى المسيحية الكبرى؟
كل هذه الاسئلة مطروحة… في وقت تسمع اصوات عدة تفيد بأن “التسوية الرئاسية” لم تنضج بعد، و ان فئات محلية لا تزال تراهن على متغيرات اقليمية تصب في مصلحتها.
ولا شك ان “التسوية الرئاسية” ستبقى قائمة ما دام المرشح سليمان فرنجيه يتحرك على هذا الأساس، مدفوعا بما يملك من معطيات عن موقف “حزب الله” الحقيقي من التسوية. اما قوى ١٤ آذار فهي تقف امام امتحان هو بالتأكيد الأصعب منذ العام ٢٠٠٥، فهل يصمد هذا التحالف المعمد بالدم أمام رياح الخلاف في شأن “المبادرة الرئاسية”؟ إننا في مرحلة رمادية حقا!