من اليوم الأوّل لهذه الأزمة التي تسبّب بها وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل كنا على ثقة بأنّ رئيس مجلس النواب الاستاذ نبيه بري سيغلّب المصلحة الوطنية على ما عداها، ولقد أثبت يومياً بأنّه لن يتخلّى عن حمل هموم هذا الوطن مهما كانت الأسباب والموجبات.
كلامه أوّل من أمس كان غاية في المسؤولية والوعي والكبر، ولكن في كلامه يوم أمس رفع الكبر الى أعلى مستوياته، «إني أعتذر من اللبنانيين»، قالها بصراحة ووضوح أمام نواب لقاء الأربعاء النيابي ورغب إليهم أن ينقلوها الى اللبنانيين… وهكذا كان، وأراد للإعتذار أن يكون عن أي إساءة مقصودة أو غير مقصودة تسبّب بها كلام أو نزول الى الشارع.
وللمناسبة فإننا نرى فعلاً أنّ الذين نزلوا الى الشارع من أنصار دولته و»حركة أمل» إنما تحرّكوا بمبادرات ذاتية، وإلاّ لكان الشارع ضاق بعشرات الآلاف لو كان الرئيس بري دعا الى هكذا حراك.
ونعود الى مبادرته الشجاعة في تقديم الإعتذار الى اللبنانيين وهي جاءت مشفوعة بأمرين: الأوّل أنّه لا يطلب اعتذاراً لشخصه من الوزير جبران باسيل… والثاني أنه متمسّك بالوحدة الوطنية الى أبعد الحدود وبالتالي لن يكون هناك أي تصرّف من شأنه أن يسيء الى هذه الوحدة الوطنية أو أن يهزها… لذلك بادر الى التأكيد بأنّ الحكومة باقية ولا استقالة لوزراء كتلته النيابية… وجاء هذا الكلام ليضع حداً لأقوال صدرت وتكرّرت في الأيام الأخيرة خصوصاً بلسان غير نائب ووزير من نواب الكتلة ذاتها، لأنه آثر المصلحة الوطنية على العواطف الصادقة التي أظهرها له محازبون وأصدقاء ومناصرون ونواب ووزراء…
أمّا والحديث على الإعتذار فندعو الوزير جبران باسيل الى أخذ مبادرة مماثلة، ونسأله: هل إنّ اعتذار الرئيس نبيه بري أساء إليه أو أكّد على مكانته الرفيعة، وعلى الشجاعة والكِبَر؟!. والجواب معروف… فلماذا لا يبادر وزير الخارجية الى أمر مماثل ونضع حداً لهذه الأزمة المفتعلة خصوصاً في هذه المرحلة بالذات، ذلك أنّ «على الكتف حمّالاً» وأي حمّال، إنّه العدو الاسرائيلي الذي يفتح أشداقه طمعاً بخيرات هذا الوطن على حدّ ما أظهرته إسرائيل أمس الى العلانية من حيث ادعاؤها بأنّ البلوك الرقم 9 الغني بالغاز كما تفيد الدراسات المتخصصة، والذي هو في مياهنا الإقليمية اللبنانية، ليس عائداً للبنان إنما هو عائد لها، مرفقة هذه المطامع بالتهديد المباشر الذي وجّهه ليبرمان باجتياح لبنان وبإدخال سكان بيروت الى الملاجئ.
وهذه القضية التي توحّد حولها اللبنانيون أمس جاءت نتائجها خلافاً لما أرادته إسرائيل للاستفادة من الخلاف السياسي الضارب أطنابه في البلد، بدليل أنّ الرؤساء الثلاثة أدلوا بتصريحات في هذا الموضوع جاءت متطابقة وكأنهم نسّقوها في ما بينهم.
الى ذلك، أثار الرئيس الحريري هذه المسألة في زيارته الى تركيا ومحادثاته مع رئيس جمهوريتها ونظيره التركي، وهو سيثيرها في أي عاصمة ومنتدى دولي يقوم بزيارتهما لاحقاً.