ما حصل في القصير، حسب الرواية الممانعة، هو أن الروس جاؤوا وتمترسوا في مواقع عدة من دون «تنسيق مسبق» مع «حزب الله»، وأن الموضوع حُلَّ من خلال إحلال «جنود من الجيش السوري» في تلك المواقع!
والواضح أن دلالات الأمر أكبر من حجمه. وأول ذلك أن الروس جاؤوا إلى المنطقة تنفيذاً لما اتفقوا عليه مع الإسرائيليين. والذي تأكد بأنه ينصّ على منع إيران وميليشياتها من التمركز في جنوب غرب سوريا.. وأن ذلك تزامن مع معلومات أفادت بأن إيران نفسها لم تكن بعيدة عن «التفاوض» مع الإسرائيليين في هذا الشأن!
ثم أن «القصير» هذه تحوّلت على ما قيل ويُقال، إلى واحدة من أهم مراكز وقواعد «حزب الله» في عموم سوريا.. وسبق للطيران الحربي الإسرائيلي أن استهدفها مراراً وتكراراً في سياق غاراته التي استعَرَ أوارها في ظلّ الوجود الروسي. وتحت أعين صواريخه التي لا تنام. وبرعاية خطوط التنسيق المفتوحة بين قاعدته في حميميم وغرف عمليات الإسرائيليين!
التفاصيل خطيرة وكثيرة و«مؤلمة»! وآثر «حزب الله» إغفالها ونكرانها طوال المرحلة الماضية تبعاً لقياساته و«أولوياته»، وتقديمه الأهم على المهم! و«الأهم» عنده من انخراطه في حرب مفتوحة ضد عموم السوريين في ظل غطاء جوّي منسّق بالتفصيل الممل مع «الأعداء الصهاينة»، هو «الانتصار» في تلك الحرب! وتثبيت النفوذ الإيراني في سوريا على حساب أهلها ودمارها!
لكنه يستفيق الآن على وقع صدمة «أهم» مما سلف ومعكوسة إذا صحّ التعبير. بحيث أن الروسي أيضاً يملك أجندة موازية وشبيهة! و«الأهم» عنده من الانخراط في حلف مرحلي مع إيران في سوريا، هو تثبيت «حلفه الاستراتيجي» مع إسرائيل في سياق منظومة مصالحه الكبرى التي لا يمكن حصرها في وعاء علاقات مع طهران على حساب ثلاثة أرباع دول العالم!
أي أن الدبّ الروسي الذي جاء إلى الكرم السوري لن يلتزم سوى بمتطلبات مِعدَته من العنب والعسل! وعلى «الآخرين» أن ينصاعوا لتلك المتطلبات وليس العكس! وأخطر مستجدّات ذلك العلك هو أنه يضع الاتفاقات والتفاهمات التي تناسب قياسه، مع الأميركيين والإسرائيليين والأتراك.. ثم «يتصرف» مع الإيرانيين استناداً إليها! وتلك في كل حال، بديهة في علم السياسة والعلاقات الدولية وخصوصاً بين الكبار، سوى أن إيران تجاهلتها لصالح مدوّنة أوهامها المألوفة، قبل أن تصل راهناً إلى الاصطدام المباشر بحقائقها العارية!
«حادث» القصير بسيط في ذاته، وكان يمكن إدراجه تحت بند «النيران الصديقة»، لولا أنه يأتي في سياق مختلف تماماً عنوانه الحرب المعلنة على «النفوذ» الإيراني في سوريا.. وغير سوريا!
وعلى الهامش هنا، يمكن الإيراني أن يسأل نفسه (إذا أمكن!): هل موسكو، خارج سردية التحالف المرحلي والجزئي في سوريا، «حليفة» له في اليمن أو في العراق؟ أو إزاء إسرائيل؟ أو في مشروع «القنبلة النووية»؟ أو في الخليج العربي عموماً؟ أو في نهجه السياسي الخارجي العام؟ أو في قياساته الدينية و«الثورية»؟ أم أن أوهامه المدمّرة ستبقيه أسيراً لها.. حتى ظهور المهدي؟!
علي نون