ستظل لعنة «القطيع» المتمرد على الراعي وعصاه، التي يهشّ بها عليه علّه يجمعها، ويستعيد كل «غنمة» شردت في اتجاه حتف وطنها وحتفها خوفاً عليها من أن يستفرد بها الذئب، لأنه لا يفترس إلا الشاردة منها!! وسيظل الراعي مذهولاً كلّما اكتشف استذآب غنمه، ويستغيث كلّما فاجأته «غنمة» وهي تعوي كذئب، وكلما وقعت عيناه على أنيابها المسنونة وهي تنهش لحم أختها في القطيع!
في الجمعة العظيمة من العام 2009 كتبت تحت عنوان «حضرة المصلوب» لبنان، وفي الجمعة العظيمة من العام 2013 كتبت في هذا الهامش «حضرة الصليب» لبنان… اليوم وعلى عتبة الجمعة العظيمة من العام 2015 كتبت حضرة «الصليب» «والمصلوب»، اليوم أكتب في الجمعة العظيمة من العام 2017 عن صليب لبنان العظيم، ونظرة على أحداث يوم الثاني عشر من نيسان المحمومة تؤكّد أنّ لبنان سيبقى معلّقاً على صليبه العظيم وصليب المنطقة، ويا حضرة «الصليب» لبنان؛ جيلي سئمَ منك ومن مقاومة رغبة الهجرة التي كانت تجتاحه، ويقاوم اليوم إعلان يأسه النهائي منك، ومن قدرتك على أن تكون وطناً ومن قدرتنا أن نكون شعباً؛ هل كثير علينا أن نكون شعباً واحداً؛ فقد أتعبتنا أدوار الماعز والأغنام والحمير والبقر والإبل والحيتان والتماسيح والعصافير والجماهير «الغفورة»!! وما زلنا لا ندري أيها نحن، وإن كنّا الأقرب إلى «الحمير» في صبرها على حمل أثقالها، وأقرب إلى الغنم في الانقياد لسياسيين نعيد انتخابهم هم أنفسهم رغم معرفتنا العميقة وخبرتنا الكبيرة بكذبهم وتبعيتهم لآخرين سواك ومع ذلك عند كلّ انتخابات نذهب قطعاناً لإسقاط لوائحهم في الصناديق إيماناً منا بحماية «الطائفة» أو «المذهب» لا الوطن!!
وقد نكون الأقرب إلى الماعز؛ يا حضرة «الصليب» لبنان هل تشاهدنا حين «نتطيشر» كالماعز نخرّب وطننا فنأكل شجره أخضره قبل يابسه؟! أم نحن أقرب إلى البقر؟ هل تصدّق يا حضرة «الصليب» أن زعيم طائفة يتساءل: «لمن سأترك البقر؟»، وهم يعرفون أنه يعتبرهم بقراً ومع هذا يجدون أنه يفهم أكثر منهم، ألسنا في هذا المقام «بقر» بكل ما للبقرية من معنى؟! وهل تدرك يا حضرة «الصليب» لبنان؛ أننا نروي على سبيل النكتة حكاية الولد الذي أرسله أبوه إلى سوق الاثنين في إحدى القرى ليشتري «بقرة متل العالم»، فعاد لا يجر في يده شيئاً مكاشفاً والده بالحقيقة الكبرى أنه لم يجد «بقرة متل العالم ولكنه وجد عالم متل البقر»!!
هل نحن أقرب إلى «الإبل» يركبنا العرب في فصل السياحة، ولا يجدون فينا ما يصلح أمرنا فلا يدعموننا إلا بالركوب السياحي، يتباهون بالاصطياف في ربوعنا ويدركون أننا كما «الإبل» ننخّ ونربض في رضى ليركبوا ظهورنا وسياحتنا ونسائنا ورجالنا أيضاً؟!
ويا حضرة «الصليب» لبنان؛ هل نحن أقرب إلى «التماسيح»، جلداً وقلوباً ودموعاً، نفعل بك الأفاعيل ثم نذرف عليك دمع التحسّر والقلق والخوف، ونحن لا نتورع عن سلخ جلدك والتباهي به حقيبة وحذاء وحزاماً؟! أم هل نحن «العصافير» التي تملأ فضاءك بزقزقة الثرثرة، نفرّ من غضن إلى غصن إلى أن يردينا صيادوك بـ»خردقة»؟!
يا حضرة «الصليب» لبنان، إلى متى سنُجرّ مصلوبين مجلودين على «جلجلات»ساحات أجندات المنطقة كلّها وهي تمتدّ صليباً هائلاً وشعوبها معلّقة تتأرجحُ تحت سياط من الملح الدموي شعب مشردٌ هنا ومقتول هناك وقلق هناك وشعب مهدد هنا ومرهون هناك وخائف هنالك، والنيران عند قدمي الصليب تحرقُ آمالنا وتسلخ ما تبقّى من جَلَدِنا وجلودنا، ستّة أعوام لم يتغيّر فيها شيء، ستة آلاف عام لم يتغير فيها شيء أيضاً، ومبعثرة تساؤلاتنا أمام واقعنا والخلاص الذي نرتجيه، وفي لحظات الخيبة الكبرى واليأس لا نعود نرتجيه… يا حضرة «الصليب» لبنان؛ تعبنا فهلا أنزلتنا قليلاً، هلا توقف هذا المشهد لنستريح قليلاً، وصدّقنا سنعود ونفتح ذراعينا لنعلّق عليك من جديد، لأننا نحن المصلوبون «تباً لنا» لو تعلم كم نحبّك!!