Site icon IMLebanon

الحكم بالتعطيل خطة لإنهاء لبنان “المختلف”

 

قمة المعاناة في لبنان أن يصبح ما يتميز به هو المشكلة: إنه “مختلف” عن المنطقة بكونه “أكثر من بلد، إنه رسالة”، حسب الفاتيكان، حيث الجوهر السياسي للعيش المشترك لا مجرد الواقع البيولوجي. مختلف، لكنه جزء من العالم العربي متجذر فيه مؤثر ومتأثر بالتحولات في المنطقة. ولا شيء يوحي أنه وصل الى نهاية ما دفعه من أثمان باهظة خلال الحرب وبعدها ليبقى مختلفاً على الرغم من خطط أنظمة عدة لجعله مثلها. فهو يواجه منذ نهايات القرن العشرين حتى اليوم إصراراً، لا فقط على تغييره لئلا يبقى مختلفاً بل أيضاً على التخلي عن هويته وإنتمائه العربيين وسحبه من العالم العربي الى المحور الإيراني.

 

ذلك أننا في كل أزمة نطرح سؤالاً قديماً ومصيرياً: أي لبنان نريد؟ وهو سؤال قدّم الآباء المؤسسون جوابه العملي في مؤتمر فرساي ثم في الإستقلال: “لبنان الكبير” بلد الحريات والعيش المشترك والنظام الديمقراطي البرلماني، وإحترام كل الأديان من دون النص على دين الدولة خلافاً لمعظم الدول، والإنفتاح الثقافي والإبداع الأدبي والإقتصاد الحر، و”لا وصاية ولا حماية، لا إمتياز ولا مركز ممتازاً”. وليس من المعقول أن يكون على لبنان تبرير وجوده كل يوم. فهو لم يفقد مبرر وجوده. ولو خسر أحياناً القدرة على حماية وجوده. السؤال المطروح اليوم هو: أي لبنان يراد لنا؟ والجواب ليس سراً.

 

أقل ما وصلنا اليه اليوم على أيدي “حزب الله” وحلفائه هو الحكم بالتعطيل. إما فرض ما يريده طرف واحد على الجميع، وإما تعطيل القضاء والحكومة والدولة. خطورة الحكم بالتعطيل ليست فقط في كونه “اللا حكم” عملياً، وتوظيف معاناة الناس وتعميق الأزمات في الحصول على مطلب، بل أيضاً في ممارسته كوسيلة من أجل هدف أبعد وأكبر. كذلك الأمر بالنسبة الى تكرار التهجم على السعودية ودول الخليج مهما تكن أضراره على لبنان واللبنانيين. فالمسألة ليست مجرد “إساءة” يطالب بعض المسؤولين بالتخلي عنها بل سياسة كاملة الأوصاف في سياق خطة إستراتيجية للمشروع الإيراني.

 

وفي قلب التراجيديا اللبنانية شيء من السوريالية. ثمن البقاء لحكومة الرئيس نجيب ميقاتي هو ألا تعمل وألا تجتمع أو أن تخرق الدستور وتنفذ “أمر اليوم” الصادر باسم “الثنائي الشيعي”. والحرص على “قبع” قاضي التحقيق العدلي طارق البيطار الجريء والنزيه، ليس لإتهامه بـ”التسييس” بل لأنه يرفض “التسييس” المطلوب منه لطمس الحقيقة في جريمة العصر. وليس لأنه يرفض التدخلات ويترك حسابات الذين يلعبون بنظام الدولة خارج باب مكتبه بل لأنه “يتمرد” على “نظام” الدويلة.

 

أبسط ما نحتاج إليه النصيحة التي قدّمها سفير سويسرا السابق في بيروت فرنسوا باراس بالقول: “لبنان ليس عصياً على الفهم، لكن اللبنانيين يحتاجون الى سياج حول حديقتهم لحمايتها”.