بعثَ المؤرخ الدكتور حسّان حلاق، في 6 تشرين الأول 2017، برسائل علنية إلى الرؤساء الثلاثة يرفض فيها الاحتفالية المئوية للبنان الكبير التي ستجري العام 2020، معتبرًا أنّ «لبنانَ الكبير» كان صنيعة دولة استعمارية هي فرنسا، وأنّ ولادة لبنان حدثت يوم استقلاله العام 1943 (جريدة اللواء)، بمعنى إنه مولود غير شرعي، لأن أحدًا لم يأخذ برأي سكانه المسلمين. وحول الموضوع نفسه، صدرت قبل فترة قصيرة الطبعة الخامسة لكتاب الدكتور لويس صليبا بعنوان: «لبنان الكبير… أم لبنان خطأ تاريخي!؟» حدّد فيه المؤلف هذا الخطأ بتوسيع حدود متصرفية جبل لبنان إلى ما وراء المناطق المسيحية، وادخالِ مسلمين ومناطق إسلامية ضمن الدولة الجديدة. فخسر المسيحيون الموارنة، بذلك، سيادتهم الديموغرافية السابقة في الجبل؛ لكن معظمهم اعتبر أنّ الدولة الجديدة تحقّق أمانيهم «القومية»، بينما رأى المسلمون الملحقون أنّها تنتزعهم من فضائهم العربي – الإسلامي الأوسع، وتحوّلهم إلى أقلية كباقي الأقليات في «لبنان الكبير». من هنا، يخلص الأستاذان حلاق وصليبا إلى أنَّ إنشاء لبنان الكبير لم يكن بإرادة المسلمين، وأدّى إلى صراع على الهوية مشحونّا بديموغرافيا إسلامية تمتصّ مثيلتها المسيحية.
تقوم فرضية البحث على أنّ لبنان الذي تأسّس العام 1920، في سياق التسويات لولادة نظام إقليمي نتج عن الحرب العالمية الأولى وانهيار الدولة العثمانية، لم يعرف الاستقرار والسلم الأهلي ولا السيادة الكاملة، على مدى قرن كامل، بسبب نظامه الطائفي السياسي، واستتباع الخارج طوائفه، وبالتالي عدم تحوّله إلى وطن حقيقي؛ فينتظره مستقبل خطير قائم. وسوف يتلازم النص مع المؤشّر البياني لتبيان التذبذب الشديد والخطير وعدم الاستقرار في مسار لبنان حتى الوقت الراهن.
مدخل: جبل لبنان قبل العام 1842 … لا طائفية سياسية – نظام المتصرفية
لم يعرف جبل لبنان قبل العام 1842 الطائفية السياسية، ذلك أنّ أبناءه ابتكروا معادلة اجتماعية – سياسية فريدة، قامت على الحفاظ على الطائفية المجتمعية، أي ببقاء كلّ طائفة في قراها وبلداتها على دينها، تمجّد قيمها وتاريخها، وتطوّر ثقافتها بحرية وبمعزل عن الأخرى. وفي الوقت نفسه، جرى اعتماد نظام سياسي غير طائفي يلبّي مصالح الطوائف على أساس العلاقات الوظيفية والتعاون في المجالين العسكري والسياسي، أي أنّ الانقسام كان حزبيًا – سياسيًا (شرف، الايديولوجيا المجتمعية). لكن هذا النظام السياسي سقط بعد حربين داخليتين العامين 1841 و1860، وحلّ محلّه نظام طائفي – سياسي تحميه الدولة الكبرى، ضَمِنَ أمن المسيحيين في متصرفية جبل لبنان وشخصيتهم وسيادتهم الديموغرافية التي بلغت نسبة 80%.
صحيح أنّ تلاقيًا حصل بين المسيحيين والمسلمين من بيروت وجبل لبنان والولايات العربية في باريس (المؤتمر العربي في باريس 1913)، على أساس جعل العروبة قاسمًا مشتركة للفريقين للتخفيف من وطأة الحُكم العثماني على بلاد الشام، واعتماد اللامركزية في الولايات العربية، إلا أنّ المسلمين فهموا اللامركزية بأنّها عدم الخروج عن «الرابطة العثمانية»، لكنهم خلطوا بين العروبة والإسلام، في حين أراد المسيحيون التخلّص من الحكم العثماني (كوثراني، المؤتمر العربي). ثم تضافرت جهودهم المشتركة خلال الحرب العالمية الأولى للتحرّر من الحُكم العثماني (ثورة الشريف حسين بن علي). لكن نهاية الحرب شهدت افتراقًا بين الجانبين: نُخب إسلامية منشدّة إلى عروبة تسعى إلى توحيد بلاد الشام تحت سلطة عربية بقيادة الملك فيصل بن الحسين، يخلط بعضها ما بين الإسلام والعروبة، ومسيحيون غالبيتهم موارنة يسعون إلى إنشاء دولة قومية منفصلة عن محيطها العربي – الإسلامي بمساحة أكبر من متصرفية جبل لبنان، وذلك لضرورات حيوية وبدعم فرنسي، خوفًا من إسلام يزحف عليهم برداء العروبة. وكان إعلان فرنسا إنشاء «لبنان الكبير» في الأول من أيلول 1920 يحقّق أمانيهم في دولة مستقلة عن الدولة العثمانية ومنفصلة عن محيطها.
لبنان الكبير: تداعيات الولادة العسيرة
جعلتْ المتغيرات المذكورة، المسيحيين والمسلمين يقفون وجهًا لوجه في الكيان اللبناني الجديد؛ فاعتبره الموارنة أنه يصون هويتهم التي رأوا أنها تتغذى من روافد حضارية عديدة (التعددية الثقافية)، بينما رفض المسلمون تلك المقولة، معتبرين أنّ «لبنان الكبير» يسلبهم هويتهم العربية الوحيدة ويُضعف شخصيتهم الإسلامية. لذا، تطلّعوا في حينه إلى محيطهم العربي، وبخاصّة إلى سورية. هكذا، حصل انقسام طائفي على ولادة لبنان الكبير، ما جعل نقاط انطلاقته لا تتجاوز 50 نقطة، وفق الرسم البياني.
ومن جهتها، عملت سلطة الانتداب على دمج الطوائف اللبنانية في الكيان الجديد لتعزيز التماسك المجتمعي، وقامت بإصلاحات تنموية، حتى أنها وافقت، عشيّة الإحصاء السكاني العام 1922، على أنْ يَقص المسلمون الراغبون الشطر الأدنى من تذاكر الهوية التي كانت ستُعطى لهم؛ حيث وجد نصّ أنّ حاملها من الرعية اللبنانية (بيهم، لبنان بين مشرّق ومغرّب، 24). وجرى وضع دستور طائفي للجمهورية الناشئة العام 1926، ذُكر أنّه «مؤقت»، وتعيين الأرثوذكسي شارل دبّاس، غداة إقراره، أول رئيس لها، وسط امتعاض ماروني. لكن هذا «الموقت» ظلّ أساس النظام الطائفي الموروث من المتصرفية، واستمرّ طوال العهود اللبنانية، عبر «اتفاق الطائف» حتى الوقت الراهن.
وبالنسبة إلى المسلمين المقاطعين، في غالبيتهم، للبنان الكبير أو المتحفظين عليه، فبالإضافة إلى إغراءات الانتداب لهم واسترضائهم عبر تنظيم شؤون مذاهبهم منذ العام 1922، فقد اتسم بعض الشخصيات الإسلامية بالواقعية السياسية، وانخرط في إدارة دولة لبنان الكبير منذ تشكّله، وإنْ بشكل بطيء، فكانت رؤية هؤلاء؛ ومنهم عادل عسيران وآل الصلح: إنّ «دولة لبنان الكبير» أصبحت كيانًا معترفًا به ولا يمكن التراجع عنه. وظهر هذا المنحى بوضوح أكثر قبل نهاية العشرينيات وخلال الثلاثينيات (3)، وتحديدًا خلال مؤتمر الساحل الثالث العام 1936 (4)، وعقد المعاهدة الفرنسية – السورية أواخر العام نفسه التي وضعت حدًا لطموحات القوميين العرب في رؤية سورية ولبنان موحدتين.
وبناء على هذا التحوّل، دخلت أواخر الثلاثينيات قيادات برجوازية من المسيحيين الموارنة والمسلمين السُنّة في حوارات حول أفضل الطرق للتعايش الطوائفي، إنطلاقًا من مصالح اجتماعية واقتصادية مشتركة، تمحورت حول هوية لبنان وانتمائه، وهي التي ستسفر عن تسوية «الميثاق الوطني» العام 1943، ووصول الثنائي بشارة الخوري ورياض الصلح إلى الحُكم. مع ذلك، فإنّ غالبية المسلمين لم يتقبّلوا وطنهم الجديد إلا مكرهين (5)، وذلك بسبب التنافر بين هويتين عربية ولبنانية. وقد أدّى تصاعد أعداد المسلمين باضطراد، وهوية الدولة الجديدة، ودستورها الطائفي، ونوعية المناصب وتوزيعها، وانخراط المسلمين المتأخر في الإدارة، دورًا في النزاع بين الموارنة والسُنّة. إشارة إلى أنّ غالبية القوميين العرب ارتابوا بالمعاهدة الفرنسية – اللبنانية العام 1936، حيث لم تلحظ مدّة بقاء القواعد العسكرية الفرنسية في لبنان (سيل، الصلح 359-63).
صحيح إنّ الاتجاهَ الماروني العام كان مع «لبنان الكبير»، إلا أنّ قلّة من القيادات المارونية حذّرت، في حينه من زوال لبنان المسيحي بفعل تصاعد الديموغرافيا الإسلامية، وطالبت بتصحيح «الخطأ» بالعودة إلى «لبنان الصغير»، بعد إضافة بعض المناطق الحيوية إليه، ومنهم: إميل إده، والمطران أغناطيوس مبارك، وسليمان البستاني وغيرهم. وقد تسبّب رفض الانتداب الفرنسي وقيادات سياسية وروحية مارونية وصول المسلم الشيخ محمد الجسر إلى رئاسة الجمهورية العام 1932 (6)، بصدمة للمسلمين، بأنّه يجري تهميشهم في «لبنان الكبير». وهذا ما جعل المولود الجديد يترنّح أمام الخلافات ذات الطابع الطائفي، وباستقواء الطوائف بالخارج.
الميثاق الوطني واستقلال لبنان: تعزيز منسوب التعايش الطوائفي
كما سبق الذكر، فقد جرت محاولة لافتة بين الأعوام 1938 و1943 لترتيب البيت اللبناني وكسب المسلمين إلى «لبنان الكبير»، وذلك بالتوافق على «ميثاق وطني» للتخفيف من حدّة التناقضات بين القومية العربية والقومية اللبنانية، كما على صيغة طائفية لتوزيع المناصب والمراكز على أساس النسبية. لكن اللبنانيين لم يهتمّوا بتطوير هذه التسوية، مبقين على الفروقات والاختلافات الداخلية، وليس حلَّها؛ ولم تُحسم فيها، كذلك، عروبة لبنان ولا خصوصيته، وبقيتا ملتبستين (لبنان ذو وجه عربي)، وكانت مجرد اتفاق على «التعايش» الطوائفي الذي يحمل في طياته حالتي الوفاق والنزاع، من جراء تغيّر الديموغرافيا لصالح المسلمين التي جعلتهم يطالبون بالحاحٍ بتقاسم جديد للسلطة، مقابل مقولة الموارنة بسرمدية ما أتُفق عليه في «الصيغة». وتحت مظلّة الميثاق، خاض اللبنانيون معركة الاستقلال ضدَّ الانتداب الفرنسي العام 1943، موحَّدين كطوائف بشكل رائع للمرّة الوحيدة في تاريخهم. فوصل مؤشّر الاستقرار والسلم الأهلي والنضال من أجل السيادة إلى أعلى درجاته (90 نقطة).
وبرأينا، لم تكن الفروق الطبقية والاجتماعية التي ذكرتها سببًا رئيسيَّا لانسداد المسار أمام «لبنان الكبير». وساعد على ذلك، تعزّز دور لبنان الخدماتي الشرق أوسطي منذ الحرب العالمية الثانية، وعلى حساب دور فلسطين. لكن عهد الرئيس شمعون شهد حربًا داخلية قصيرة الأمد العام 1958، لم تكن ذات طابع طائفي حاد، ما جعل مؤشر الاستقرار والسلم الأهلي والسيادة لا يهبط تحت 30 نقطة. لكن العهد الشهابي وما راكمه من إنجازاتٍ ضخمة في الإدارة وقطاع الخدمات والتعليم، في الأطراف بشكلٍ خاص، خفّف من شكوى المسلمين، فارتفع المؤشر إلى 70 نقطة.
لبنان في مهبّ الأحلاف والناصرية والمقاومة الفلسطينية – اتفاق القاهرة
في ظلّ حرية التعبير، وإعلام لا مثيل له في الشرق الأوسط، انفتح لبنان على الأحلاف الخارجية، وعلى النزاعات العربية على أرضه منذ الخمسينيات، ثم بعد ذلك مع دخول المقاومة الفلسطينية إليه منتصف الستينيات. وفي الوقت نفسه، استعر التنافس بين التيارات الأيديولوجية والانتمائية؛ فانشدَّ المسلمون إلى الناصرية وأيدوا الوحدة المصرية – السورية العام 1958، ودعموا، بقيادة اليسار اللبناني أو بأمرته، المقاومة الفلسطينية للاستفادة منها والإمساك تاليًا بالسلطة والقضاء على ما يُسمى «امتيازات الموارنة» الذين جرى تخويفهم من خسارة إنجازاتهم التاريخية، ما جعل بعضهم ينجذب إلى الأحلاف الشرق أوسطية وينضمّ رسميًّا إلى «مبدأ أيزنهاور» (شمعون)، ويتحالف بعدها، تارة مع سورية، وتارة أخرى مع إسرائيل، منذ اندلاع الحرب الداخلية العام 1975، وذلك لتصحيح الخلل في التوازن الذي تسبّب به الوجود الفلسطيني المسلّح على أرض لبنان. من هنا، استشرف ريمون إدّه المخاطر التي ستلحق بلبنان من جراء نشاط المقاومة الفلسطينية؛ فطالب بتحييده ووضع بوليس دولي على حدوده مع إسرائيل لمنع انجراره إلى حرب معها، أو دخول أبنائه في حرب داخلية بسببها (خليفة، الستراتيجيات 137).
وكان كمال جنبلاط وحلفاؤه اليساريون يعلنون صراحة عن رغبتهم بـ تأديب» الموارنة واجتياح مناطقهم، حتى عن نيتِهم تغيير النظام السياسي اللبناني (7)، وكان هذا تهديد آخر للموارنة بأنهم على وشك خسارة مركزهم المهيمن في البلاد من خلال ضرب النظام اللبناني، فضلًا عن تجاوزات المقاومة الفلسطينية وتحوّلها إلى دولة داخل الدولة اللبنانية منذ «اتفاق القاهرة» العام 1969 (8 و9). كان هذا الاتفاق، بكلِّ المعايير، وبالًا على الدولة اللبنانية وسيادتها ومجتمعها. فما من دولةٍ تسلّم سيادتها إلى قوّة خارجية بالشكلِ الذي حصل فيه، حتى ولو كان من منظور «عروبي»، وتمنع تاليَّا جيشها من التصدّي للمتطاولين على أمنها (إنزال الجيش). من هنا، شهدت الفترة بين 1968 و1975 تصدّي المسيحيين ومعهم الجيش اللبناني للمقاومة الفلسطينية، فيما انحاز المسلمون واليسار إلى الفدائيين؛ فانخفض المؤشّر البياني إلى 30 نقطة.
مستند (1) إعلان الجنرال غورو دولة لبنان الكبير
مستند (2) مسار لبنان الكبير خلال قرن
مستند (3) مؤشرات على إنخراط المسلمين في إدارة لبنان الكبير:
– تعيين المحامي شفيق لطفي ويوسف الجوهري في اللجنة الإدارية للبنان الكبير بين الأعوام 1920 و1922.
– انتخاب نجيب عسيران بين الأعوام 1922 و1940: مرتان لمجلس النواب عن صيدا في المجلسين التمثيلي الأول والثاني، وفي مجلس النواب الأول والثالث، ونائب رئيس مجلس النواب للمرات عدة، ورئيس السن.
– ترشيح الشيخ محمد الجسر نفسه لرئاسة الجمهورية العام 1932 وفشله في ذلك، علمًا أنه كان رئيسًا لمجلس الشيوخ العام 1927، ثم رئيساً لمجلس النواب الموحد بعد دمج مجلسي الشيوخ والنواب في أول تعديل دستوري العام 1927.
– مشاركة المسلمين في الإحصاء السكاني العام 1932.
– ترؤس خير الدين الأحدب الحكومة اللبنانية خلال العامين 1937 و1938، ثم خالد شهاب لبضعة شهور خلال العام 1938، وتبعه عبد الله اليافي خلال العامين 1938 و1939.
– إعلان قيادات إسلامية شابة من جنوب لبنان، هي كاظم الصلح وعادل عسيران وشفيق لطفي عن إيمانهم بلبنان الكبير باعتباره يشكل إنبثاق وطنية لبنانية جديدة، وقد تبلور ذلك في مؤتمر الساحل العام 1936.
مستند(4) كاظم الصلح
يفنّد القبول بلبنان الكبير
تعقييًا على إنشاء لبنان الكبير ورفض القوميين العرب الكيان الجديد ومطالبتهم بفصل الأقضية الأربعة عنه وضمها إلى سورية، رأى كاظم الصلح، أحد أركان القيادات اللبنانية الشابة المؤيدة للبنان الكبير،أن ذلك سيعيد لبنان صغيرًا من جديد، وسيجعله يرتمي في أحضان فرنسا.
وقال: «نحن لا نريد أن نبني وطنًا نصف سكانه أعداء له …لا نريد أن يُرغم إرغامًا فريق كبير من سكان الساحل على الانضمام إلى سورية، وطن الوحدة. فمن الخَرْقِ أن تجدّد التجربة التي حصلت في لبنان، فجعلت نصف سكانه أعداء له، بل نريده، إذا كان لا بد من انضمام لبنان وملحقاته إلى الوطن السوري، أن يتم ذلك بالاتفاق والتراضي والإقناع والإيمان، بأن هذا كان لخير الجميع لا لخير فريق واحد». وختم بالقول: «… إنني لا أجد في الانفصال (لبنان عن سورية) بأسًا، ما دامت تلك القومية (العربية) تترعرع وتُصان في كل قطر، إلى أن تثبت لهذه الأقطار مصلحتها في الاتحاد، فتتحد».
أنطوان الحكيّم: من متصرفية جبل لبنان إلى دولة لبنان الكبير 1915-1920، بيروت، 2018.
مستند: (5) موقف إسلامي
رافض «لبنان الكبير»
بُعيد إنشائها العام 1935، عبّر محيي الدين النصولي في صحيفته «بيروت» عن الرفض الإسلامي للبنان الكبير بالقول: «ولو فرضنا وحافظنا على الوضع الراهن (بقاء المسلمين ضمن لبنان الكبير) بحدوده التي ينصّ عليها الدستور اللبناني، فإن نصف سكان الجمهورية اللبنانية غير راضٍ عن وطنه، يخنُق في صدره حبّ هذا الوطن، ويعلّم أولاده كراهيته، ويقول لهم إنهم غرباء فيه، وإنّ وطنهم الحقيقي يمتد إلى أبعد من لبنان، ويجتاز الحدود إلى ما وراءها، حيث يرفرف علم جميل له قدسيته وجماله وتاريخه وجهاده (العلم السوري)».
عصام خليفة، من الميثاق الوطني اللبناني إلى الجلاء 1938-1946، ص 9-10.
مستند (6) أسباب الرفض الماروني وصول مسلم إلى رئاسة الجمهورية
إن وصول الجسر إلى رئاسة الجمهورية بصفته مسلمًا، رغم شخصيته المتزنة والمنفتحة على المسيحيين، وبخاصة على البطريرك الحويك، جوبه بمعارضة شديدة من طرف البطريرك الماروني الجديد أنطوان عريضة. فضلًا عن ذلك، عارضت الترشيح قيادات مارونية روحية ومدنية مدعومة من قبل المندوب السامي الفرنسي بونصو، بحجة أن رئاسة الجمهورية يجب أن تكون لماروني، وأن الموارنة ينتظرون الفرصة هذه لاحتكار هذا المنصب منذ تعيين دباس فيه. كما اعتقدت قيادات مارونية أن لبنان «الموطن المسيحي» سيكون معرّضًا للزوال في حال وصول مسلم إلى سدة الرئاسة، وعندها سيدور لبنان، بفضل مسلميه، في فلك سورية.
رباط، التكزين التاريخي للبنان السياسي والدستوري، ج2، بيروت، 2002، ص 642-43.
مستند (7) جنبلاط وتغيير النظام السياسي اللبناني
رفعت القوى اليسارية في وجه المسيحيين، وتحديدًا الموارنة منهم، شعارات إلغاء النظام الطائفي اللبناني، واستبداله بنظام علماني، على عكس السنة والشيعة الذين أرادوا تحسين نسبة مشاركتهم في السلطة، وتحقيق الإنماء المتوازن. وقال كمال جنبلاط خلال العام 1976: «إننا نناضل اليوم في سبيل ميثاق وطني جديد، مبني على الديموقراطية العلمانية …هكذا تنتهي مهزلة الطائفية التي تُتخذ ذريعة للاستغلال البغيض…».
رباط، التكوين، 825.
مستند (8) اتفاق القاهرة 1969 وتداعياته
1-حقّ العمل والإقامة والتنقّل للفلسطينيين المقيمين حاليًّا في لبنان.
2-إنشاء لجان محليّة من فلسطينيين في المخيمات لرعاية مصالح الفلسطينيين المقيمين… بالتعاون مع السلطات المحلية، وضمن نطاق سيادة لبنان.
3-وجود نقاط للكفاح الفلسطيني المسلّح داخل المخيمات … ضمن نطاق الأمن اللبناني ومصلحة الثورة الفلسطينية.
4-السماح للفلسطينيين المقيمين في لبنان بالمشاركة في الثورة الفلسطينية من خلال الكفاح المسلّح، ضمن مبادئ سيادة لبنان وسلامته.
5-تسهيل العمل الفدائي الفلسطيني، وتأمين الطريق إلى منطقة العرقوب…».
التوقيع: إميل بستاني – ياسر عرفات
المرجع: حكاية الأزمة اللبنانية، 21-23.
مستند (9) تداعيات «اتفاق القاهرة» على لبنان
شكل أول اعتراف رسمي وخطّي من قبل دولة عربية (لبنان) ببسط «منظّمة التحرير الفلسطينية» سلطتها على المخيّمات الفلسطينية عندها، وبانطلاق الكفاح المسلّح من أراضيها ضدَّ إسرائيل… فأضحى وضع الفلسطينيين في لبنان، على عكس ما هو عليه في باقي الدول العربية، أشبه بدويلة ثورية داخل دولة مفكّكة لا سيادة لها… فأزاح الاتفاق الستار عن مشكلة الانقسام الطائفي حول هوية لبنان وسياسته الخارجية.
سنّو، حرب لبنان، مج 1، 190 -193.
مستند: (10) نعي المسلمين
الميثاق الوطني
ما أن اندلعت الحرب، حتى طالبت قيادات إسلامية، سنية وشيعية، بإلغاء الميثاق الوطني وتعديل الدستور. فنعى صائب سلام الميثاق بالقول: «إن زمانه قد ولى، وإنه أدى إلى فقدان التوازن بين اللبنانيين»، مستغربًا تشبث المسيحيين به واعتباره ضمانة لهم». وبدورها طالبت «جمعية متخرجي المقاصد» بالتخلص من صيغة 1943، باعتبارها صيغة طائفية سقطت نتيجة تناحر الطوائف وتقاتلها، ورأت أن تستقر هوية لبنان على العروبة، بدلا من مقولة «لبنان ذو وجه عربي»، وأن يتم انتخاب رئيس للجمهورية من قبل الشعب مباشرة…. أما الشيعة، فنعوا بدورهم الميثاق مركزين يحث على الحرمان التاريخي اللاحق بهم وغياب التنمية في مناطقهم، وكانوا يريدون إلغاء الطائفية السياسية على المستويات كافة، وتعديل قانون الانتخاب، وإعطاء رئيسي الحكومة ومجلس النواب المزيد من الصلاحيات…
سنو، حرب لبنان، مجلد 1 ، ص 526 – 27.