منذ أن أبرمت «التسوية الرئاسية» وأسهمت بفاعلية كبيرة في إنتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية لم تتوقف «الحملات الطائشة» على هذه التسوية خصوصاً الجانب منها المتعلق بالتفاهم العريض الذي أسفرت عنه بين التيار الوطني الحر وتيار المستقبل، وكلّ منهما الأكثر تمثيلاً في بيئته. وكأنه ممنوع أن يلتقي اللبنانيون وأن تتفاهم قياداتهم على إدارة شؤون البلد، بالتناغم مع سائر الأطياف.
وهذا ليس سراً، ولا هو كشف المستور عن حقيقة صارخة مفادها أنّ التفاهم بين رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء من شأنه أن يوفر للبنان أماناً واستقراراً، وللبنانيين هدوءاً وطمأنينة .
ولكي لا يبقى الكلام في النظريات نود أن نشير الى أنّ هذا التفاهم لم يتم في معزل عن سائر الأفرقاء والقوى وكذلك الأطياف اللبنانية بألوانها كافة. فمن جهة كان حزب القوات اللبنانية جزءاً أساساً في هذا التفاهم. وكان حزب اللّه موافقاً عليه وعلى أن تؤول رئاسة الحكومة الى الشيخ سعد الحريري بعد وصول الجنرال الى الرئاسة.
ولو ألقينا نظرة بانورامية على المستجدات لتوصلنا الى نتائج إيجابية من الرد المضمر والمعلن على الأسئلة الآتية:
أولاً – هل كان ممكناً تشكيل حكومة إتحاد وطني لولا تفاهم عون – الحريري؟ وهي الحكومة المستقيلة التي ضمّت في صفوفها ممثلي من لديهم الحيثية السياسية. ولم يُقصَ أحد منها إلاّ من أقصى ذاته؟
ثانياً – وهل كان ممكناً إجراء الإنتخابات البلدية بالسلاسة التي عرفتها. وفي هذه السنة الإنتخابات النيابية أيضاً؟
ثالثاً – وهل كان ممكناً خوض الجيش اللبناني «معركة الجرود» التي حقق فيها نصراً مؤزراً من دون أن يقع له فيها شهيد واحد؟. أما الشهداء الذين سقطوا فلم يكن إستشهادهم في المواجهة العسكرية مع الإرهاب كما هو معروف ومعلوم ومعلن بالصوت والصورة؟! ومعركة الجرود وتحرير تلك المناطق الواسعة من أرض لبنان لم يكن متعذّراً على الجيش اللبناني في الساح، إنما كان متعذراً في السياسة. فجاء التفاهم العريض بين الرئاستين الأولى والثالثة ليعطيه ليس فقط الدعم المعنوي إنما كذلك الغطاء الوطني والميثاقي الفاعل والكبير؟
رابعاً – ولولا هذا التفاهم هل كان ممكناً وضع قانون إنتخابات جديد الذي (بالرغم من المآخذ كلها المسجلة عليه) شكّل نقلة نوعية في الممارسة الديموقراطية في لبنان، وأفسح في المجال لأصحاب الحيثيات كلهم أن يتمثلوا في الندوة اللبنانية، وأن ينال كل قدر حجمه التمثيلي؟
خامساً – ولولا هذا التفاهم الكبير هل كان ممكناً حلّ عقدة مستعصية منذ أكثر من ستين سنة وهي عقدة استعادة الجنسية من أصحابها المستحقين في دنيا الإنتشار، وكذلك تمكينهم من المشاركة في الإقتراع التي بدأت خجولة في شهر أيار الماضي وستتنامى أكثر فأكثر في الدورات الإنتخابية اللاحقة خصوصاً وقد بات لبنانيو الإنتشار قادرين على أن ينتخبوا ممثليهم من بين المنتشرين أنفسهم بدءاً من دورة 2022 الإنتخابية المقبلة.
أمام هذه الإنجازات لا يزال البعض من جماعة «عنزة ولو طارت» ينتابهم مغص شديد، لأن المصالح والإرتباطات الخارجية والعقد المستحكمة حالت دون أن يهضموا هذا الإنجاز الكبير، بل يريدون أن يقنعونا بأنه خطيئة عظمى!
و«إن الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم» (الرعد -11) صدق اللّه العظيم.