عنوان واحد طَرَقه النائب اللامع ياسين جابر يتعلق بـ”نكبة الكهرباء”. لكنه دلّ في واقع الحال على جُلّ الموضوع وكُلّ القصّة! واختصر بالتكثيف “العلمي” الرقمي والحسّي والدامغ، مطوّلات تحليلية أو اتّهامية يمكن أن تُوضع في خانة الكيد السياسي ولا تصل إلى أي نتيجة!
والتكثيف الاختصاري هو عدّة الفلسفة ولبّها بغضّ النظر عن مطوّلات الشرح والتفسير والتعليل.. لكنه (ذلك التكثيف) لا يصل إلى مَدَاه العام عندنا حتى لو اعتمد الرقم وليس الرأي، والدليل وليس الشبهة، والواقعة وليس الفرضية! باعتبار أن كل تلك المعطيات مجتمعة لا تشكّل “حقيقة” طالما أن العلك التبريري قائم (وقاعد) على سيبة مزدوجة (أو صارت كذلك!): طائفية جذراً، وممانعة فرعاً! ووفق هذا القياس يصير المستحيل ممكناً. والغريب معقولاً، والانفعال حكمة. والأنا المضخّمة برنامج حُكم. والارتكابات والفواحش، سعياً على طريق “ردّ الحقوق إلى أصحابها”!
والمثير للأسى والضيم والضيق ووجع الرأس هو أن لبنانيين كثراً يعاينون مجدّداً (ويعانون من) إنكسار محاولة جدّية لضبط الانحدار والتفلّت والتأزيم كانت بدأت منذ نحو سنتين. وانطلقت في بداياتها ولواحقها بما يبشّر بمآلات جميلة وعزيزة وأكبر من مجرّد إنهاء التعطيل في الدولة ومؤسساتها ومشروعها ومبدئيتها وحتميّتها.. أي بما يُوصل إلى بداية استلحاق الزمن وتعويض ما فات تنموياً واقتصادياً، ومواكبة تطوّر الوعي الجماعي باتجاهات “وطنية” وليست طائفية أو مذهبية. ووحدوية وليست انقسامية. وقائمة على الاشتباك الايجابي وليس السلبي حيث التداخل الاجتماعي والثقافي والمصلحي المتبادل والصرف يفرض أحكامه ويدمغها بالمبرم الذي لا يقبل الاستئناف!
وهؤلاء الكثر من اللبنانيين غدروا بمشاعرهم ووضعوها على الرف! وبقراءاتهم السلبية وعطّلوها! وبتحليلاتهم المبنية على تراكمات كبيرة وصغيرة وعامة وخاصة ورذلوها مفترضين أن لكل مرحلة ملائكتها وشروطها. وما سرى بالأمس ليس بالضرورة أن يسري اليوم وغداً! والناس تتغيّر وتتكيّف ولا تبقى في مكانها ذهنياً وسياسياً وفذلكة ونضالات! والافتراضات السلبية المسبقة تعطّل القدرة على التمييز بين الصحّ والغلط! وتعدم إمكانيات الأمل برؤية معجزات صغيرة تتحقق على قاعدة أن الطامح الطموح “وصل” أخيراً.. ولا بدّ من أداء يواكب هذا الوصول ويتناسب مع مستجداته ووزنه وكرسيّه وعمومياته وشروطه ومقتضياته وناسه وأحكامه!
.. لم يكتمل الارتداد تماماً بعد! لكن الإشارات الدالّة إليه صارت أكثر وأكبر من من القدرة (أو النيّة الطيّبة) على تجاهلها وغضّ النظر عنها. تلك الإشارات في جملتها وتنوّعها وعناوينها من الكباش الحكومي حول الحصص والأوزان، إلى الدستور والتأويلات الانقلابية (السافرة وليست المضمرة!) إلى السياسات المُعلنة إقليمياً، مروراً بـ”نكبة الكهرباء” وبألف تفصيل إعلامي وسياسي ناخر بالميثاق حتى العظم.. تلك الإشارات تدلّ وتؤشّر إلى منحى كارثي لا يسرّ خاطر أحد!
في كل الحالات، يُشكر النائب جابر على شفافيته: قدّم عنواناً مختصراً لقصّة كبيرة!