Site icon IMLebanon

«الجهاد الأكبر» لا يضع «فيتو ميثاقياً» على الحريري

يُحدّد المتفائلون نهاية السنة موعداً لتأليف الحكومة. وبدا واضحاً أنّ رئيس الجمهورية ميشال عون منذ ساعات عهده الاولى معني بلفت انتباه القوى السياسية الى جدّيته في أن يكون منتِجاً.

احتمالات عدة، تبدأ من تسمية الرئيس المكلّف، ولا تنتهي بتوزيع الحقائب واختيار الأسماء. فبرّي الذي لم يكشف عن ورقة التسمية، والذي سيدلي وكتلته بصوته للرئيس المكلف، يحتفظ بسلسلة مطالب سيكون من الصعب تلبيتها، وأوّلها نيل وزارة المال واختيار الوزير علي حسن خليل لتولّيها.

في هذه النقطة يتوجّس عون من حصول بري على وزارة التوقيع الملزم، كما يفضل أن لا توكل لخليل الذي يُحمّله مسؤولية ضياع أموال على الخزينة، جراء التأخير في تلزيمات معامل الكهرباء.

أما في ما يخصّ الوزارات الأخرى، فيتمسّك برّي بوزارة الطاقة والنفط، حيث يرى أنّ نيل هذه الوزارة يضرب جزءاً من تفاهمات الوزير جبران باسيل ونادر الحريري، كما يتمسّك بوزارة الأشغال وهي وزارة خدماتية حيوية، تعني الكثير لكلّ الأطراف.

هذا يشكل غيضاً من فيض بالنسبة إلى حصص برّي، أما في ما يتعلّق بهندسة «حزب الله» لمطالب الحلفاء، فهي غير واضحة حتى الآن، لكنّ الأكيد أنّ الحزب يريد إسناد وزارة إلى رئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية، فيما يردّ عون على هذه النقطة مقترِحاً نيل وزير شيعي، مقابل إعطاء حقيبة لفرنجية واعتبارها من حصة الحزب.

في انتظار انتهاء مشاورات التكليف، تتّضح صعوبات التشكيل، فماذا سيكون موقف عون والحريري، إذا ما اصطدما بحائط الثنائي الشيعي؟

يجد عون نفسه مدفوعاً الى استعمال كلّ ما يملك من تأثير لدى «حزب الله»، لكي يتمّ تشكيل حكومة سريعاً، لكن ذلك يصطدم بالوعد الصادق الذي قطعه الحزب لبرّي، وهنا ترى «القوات اللبنانية» أنّ الفرصة سانحة، لكي يقوم عون إذا ما تعقد تشكيل الحكومة الجامعة، بتشكيل حكومة أكثرية تنال الثقة من كتل «القوات اللبنانية» و«المستقبل» و«التغيير والإصلاح».

هذا الاتجاه الذي تتحمّس له «القوات»، لم يجد صدى لدى الحريري الذي علّق على الموضوع بأنّ مَن يطرح هذا الطرح لا يعرف البلد، أما عون فمن المستبعَد تماماً، أن يفكر باتخاذ هذه الخطوة، التي يعرف انها تخرق كلّ الخطوط الحمر.

بعد ساعات قليلة من وصوله الى قصر بعبدا، وقّع عون استقالة الحكومة السلامية ودعا الى استشارات نيابية تبدأ اليوم وتنتهي بعد ظهر غد. يريد عون الإفادة من أمرين وهما المراكمة على الزخم السياسي الذي رافق انتخابه، والإفادة مما يسمّى روح التعاون الايجابية التي تواكب بها القوى المحلية أيّ عهد رئاسي جديد في كلّ دول العالم.

ولكن مع بدء مرحلة تأليف الحكومة، تتركز التكهّنات حول يسرها من عدمه، وحول الطريقة التي سيُظهِّر رئيس مجلس النواب نبيه بري خلالها مفاعيل تطبيقات نظريته عن «مرحلة الجهاد الاكبر»، وهو المصطلح التي تستعيره منه حالياً كلّ القوى السياسية ضمن إطار تكهّنها حول الصعوبات التي ستواجه التأليف.

قريبون من عين التينة وصفوا اجواءها بأنها لا تزال ملبّدة بغيوم عدم انحسار غيمة التوتر مع الرئيس سعد الحريري. وتستعاد في أروقتها، ولو بمفعول رجعي، رواية القصة التي أدّت الى تجمّع هذه السحابة السوداء، وذلك في مناسبة أنّ موعد حساب بري السياسي قد حان الآن مع بدء مرحلة تأليف الحكومة.

فثمّة روايتان هما محلّ سجال، الاولى تقول إنّ زيارة الحريري لبري في آب الماضي، لم تنتهِ بينهما على اتفاق لتسمية عون في حال فشلت عملية ايجاد بديل له خلال فترة ثلاثة اشهر، فيما تعتبر الثانية أنّ مجرد مفاتحة الحريري لبري بخياره عن بدء تفكيره بعون كان كافياً لإعتباره نوعاً من التنسيق.

وفي الكواليس السياسية ذات الصلة بمتابعة ما بعد إنهاء الشغور الرئاسي، يتمّ تداول أربع معلومات في اعتبار أنّ وقائعها سترسم طبيعة المناخ السياسي الذي سيتمّ فيه تأليف الحكومة برئاسة الحريري:

ـ المعلومة الأولى تفيد أن لا «حزب الله» ولا حركة «أمل» سيسمّيان الحريري في الاستشارات النيابية الملزِمة التي سيجريها رئيس الجمهورية. بري رتّب موعده ضمن هذه الاستشارات ليكون في آخر برنامج استقبالات عون للكتل النيابية. وبحسب مصادره فإنّ بري يملك ثلاث صفات سياسية، بينها رئيس حركة «امل» وبينها رئيس مجلس النواب، لكنه سيذهب الى الإستشارات بصفته الثالثة التي تسمّيه رئيس تكتل نيابي.

وكون موعده هو الأخير في استشارات عون، فسيمكنه هذا من الإفادة من وجوده في بعبدا لتسمية مرشحه لرئاسة الحكومة، من خلال معرفته وعون الشخصية التي سمّتها الاستشارات النيابية، فتدعى هذه الشخصية التي يُفترض أن تكون الحريري فليتقيانها ويكلّفها رئيس الجمهورية تأليف الحكومة. وبذلك لن يكون بري مضطراً للذهاب الى بعبدا مرّتين، الأولى لتسمية مرشحه والثانية لحضور تكليف الرئيس المكلّف. وبعد ذلك سيغادر بري ليلتزم قصر عين التينة، ويبدأ خوض «جهاده الأكبر».

في الشكل يبدو بري حريصاً على جعل إيقاعاته السياسية البروتوكولية متناسقة مع تطبيقات وعده لبعض محور منتخبي عون بأنه سيؤجّل ممارسة سياسة «الجهاد الأكبر» الى أن يحين موعد تأليف الحكومة وأنه لن يمارسها خلال لعبة تأمين نصاب لإنتخاب عون.

ـ المعلومة الثانية وهي استدراك عملي للأولى، وتفيد أنه رغم أنّ بري لا يزال على سياسة استمرار فقدان الودّ مع الحريري، وبالتالي لن يسمّيه في الاستشارات النيابية وسيلحق به حزب الله في ذلك، كون الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله يصرّ على عدم دخول الحزب في أيّ حكومة ليس فيها حركة «أمل»، إلاّ أنّ مقاطعة الشيعة لتسمية الحريري، لن يكون لها سوى مفعول معنوي، لأنّ قرار الثنائية الشيعية هو عدم تسليط الضوء عليها بصفتها نقصاً في ميثاقية تسمية الحريري.

ـ المعلومة الثالثة تحاول تجميع خيوط التوقعات المحيطة ببري لمعرفة ما إذا كان فعلاً يرغب البقاء في المعارضة أم إنه سيشارك في الحكومة؟

وفي هذا المجال هناك آراء عدة، ويظلّ أبرزها أنّ بري يتحرّك حالياً ضمن حدّين اثنين، يقوده الأول الى التفكير بعدم دخول الحكومة التي ستعيش فترة خمسة أشهر فقط تسبق الانتخابات النيابية العامة.

وفي ذهنه، على رغم اختلاف الظروف، محاكاة تجربة الرئيس رفيق الحريري بين عامَي 98 – 2000 حينما هجر السلطة وعاد اليها أقوى، وعلى حصان ابيض، بعد الانتخابات في ذلك العام.

أما الحد الثاني فهو المشاركة في الحكومة متكِئاً على تيقّنه بأنّ حليفه الشيعي القوي لن يدخل الحكومة من دونه، ما يجعله قادراً على رفع ثمن مشاركته.

وثمّة خيار ثالث لدى بري وهو أن يجعل الفيصل بالنسبة اليه، وأيضاً بالنسبة الى السيد نصرالله، في حال قرّرا هذه المرة تبادل الأدوار، عنوانَ قانون الانتخاب، بحيث يرسمل عليه تطبيق نظريته بخوض جهاد اكبر.

ويمكن الحزب أن يجعل هذا العنوان نقطة تقاطع بين بري وعون، خصوصاً أنّ خطابيهما في جلسة القسم في مجلس النواب، تضمّنا مساحة مشتركة يمكن تجميع تعابيرهما، لجعل هذا العنوان وغيره، قضايا مشتركة بين العهد وبري. ويعزّز هذا الاحتمال معلومة وصفت لقاء الدقائق العشر بينهما إثر جلسة الانتخاب، بالجيدة ويمكن البناء عليها لنزول بري عن شجرة التصعيد.

وتؤشر ملاحظة ثالثة الى هذا المعنى، ومفادها قيام الوزير جبران باسيل بزيارة لرئيس الحزب الشيوعي اللبناني حنا غريب، وقوله بعد الزيارة إنّ هذا الحزب يمثل تهميش بيئات فعالة في المجتمع بسبب قانون الانتخاب الحالي.

ـ المعلومة الرابعة تتعلّق بتكهّنات حول شكل الحكومة العتيدة والعقد التي ستواجه تأليفها. ثمّة في هذا الصدد حديث عن حكومة تتفاعل نماذجها بين 24 و30 وزيراً، ويُسلط الضوء على عقبات ستواجه «تركيبها» بغض النظر عن عدد أعضائها، منها له وجه مسيحي وعلى صلة بما يُشاع عن تعهّد عون لـ»القوات اللبنانية» بأن يكون لها نصف عدد الوزراء المسيحيين والمناصفة في الوزارات السيادية.

وعملية احتساب لتوزيعة الوزارات السيادية الأربع، تظهر أنّ وزارة الخارجية قد تصبح هي ما يتبقى لـ«القوات» داخل سلّة الوزارات الأربع، الامر الذي يرفضه حزب الله.

ففي حال أُعطيت وزارة المال للشيعة والتي يتمسّك بها بري وحتى الشيعة، ووزارة الداخلية لـ«المستقبل» حسبما يريد الحريري إبقاء الوزير نهاد المشنوق فيها ليشرف على الانتخابات النيابية، ووزارة الدفاع التي سيكون عون معنياً بإسنادها الى «التيار الوطني الحر».