Site icon IMLebanon

“المئوية”… ومشروع نهاية “الجلجلة”

 

هل نحتاج الى عقد سياسي جديد؟ سؤال مشروع بعد مئة عام على قيام “لبنان الكبير” وجلجلة عذابات توَّجها يوم 4 آب الذي سيدخل في التاريخ الأسود لمنظومة الجريمة والفساد.

 

ليست أسباب النزاعات اللبنانية بعد الاستقلال في 1958 و 1975 ومتفرعاتها وما نجم عنها من وصاية سورية واحتلال اسرائيلي وهيمنة ايرانية، أسودَ على أبيض. بل تقع في منازل كثيرة من الألوان لصعوبة أن يحتكر طرف لبناني الحقيقة كاملة متنكراً لطبيعة تكوين المجتمع ونزعاته الطائفية والوطنية والقومية وتمايزاته الثقافية.

 

هي تركيبة لبنانية خاصة تحتاج ميزان ذهب لتبقى “الخلطةُ” متوازنة. تَوفَّر الميزان لكنْ اختلّت الأوزان وقراءات حامله. هكذا انفجرت الصيغة ودفعنا الأثمان الباهظة حتى اقتضى ميزان القوى الداخلي وتوازنات المصالح الاقليمية ان يتحقق “اتفاق الوفاق” في الطائف ويتحول دستوراً ارتضاه كل الفرقاء، باستثناء المغامرين والمتطرفين والطامعين الى مشاريع أقلوية أو مغالبة واستقواء… ومثل هؤلاء موجود في كل المجتمعات.

 

ليس “الطائف” نصاً مُنزلاً. ويحتاج تطويراً جدياً واغلاقاً لكثير من الثغرات. لكنه “المسطرة” التي شاءتها أكثرية اللبنانيين فاصلاً بين زمني الحروب والسلام. وللحقيقة، لم يطرح حتى الآن مشروع أفضل من حيث الحفاظ على “العيش المشترك” والمناصفة في المناصب والمسؤوليات والواجبات، ومن حيث الواقعية في مقاربة حساسيات الطوائف والمذاهب وموقع لبنان.

 

كلنا نطمح الى لبنان المواطنية والعلمانية وإلى “الفردية” الخلاقة بدل “القطيعية” العمياء. وكلنا نأمل ان نعيش في بلد الكفاءة والنزاهة والحوكمة الرشيدة. لكن الفرق كبير بين ان نعلن فشل النظام السياسي برمته، وبين ان نعترف بانتهاء مرحلة تاريخية وخيار استراتيجي قسري وبفشل الطبقة السياسية وحقارتها وتنكرها لواجب خدمة المواطنين.

 

بعد مئة عام على ولادة “لبنان الكبير” يحتاج البلد الصغير الى تجديد فرح تلك الولادة ولو من بين المآسي والركام، ليس عبر مشاريع انقلاب وابتزاز، ولا عبر نزعات الانكفاء، ولا عبر ألاعيب قوانين الانتخاب التي تضمر التهديد بالهيمنة العددية تحت ستار “الدولة المدنية”. يحتاج لبنان الى تغيير إنقاذي بعدما انهار نظامه الاقتصادي والمالي، وثبت ان الفساد والزبائنية والتواطؤ ضد سيادة الدولة دمرت البشر والحجر.

 

لهذا التغيير عنوان عريض واحد، هو قيام لبنان الحيادي. وهو صعب وبسيط. صعب لأنه مشروع نضال مرير لتأمين التقاء ارادة اللبنانيين مع الإرادة الدولية لتشكيل رافعة تضعه على طريق النجاح. وبسيط اذا اقتنع من يجب عليه الاقتناع بأن تجربة خطف لبنان على مذبح الصراع الاقليمي وأطماع المحاور وصلت الى خاتمتها السيئة. وليس الحياد نقضاً لـ “الطائف” لكنه تطوير ذو بعد وطني تاريخي تقتضيه تناقضات “هوياتنا” التي تُغْني وتدمِّر منذ مئة عام وتوجبُه التجارب المرة التي نمر بها منذ ثلاثة عقود وكوارث ما بعد الانقلاب التام على الدستور بعد العام 2005.

 

إذا كان هناك من دعوات جدية لـ”عقد سياسي جديد” فليكن مشروع “الحياد” أول العناوين، وليأخذ الصراع السياسي مداه لتحقيق مطلب لبنانيين كثيرين يقولون: نلنا نصيبنا الكافي، وعلينا ما على الآخرين. فلبنان “الطائف” يُستكمل بـ”الحياد” كخيار استراتيجي. أما ما تبقى فيقع ضمن الممارسة السياسية اليومية ولا يحتاج أي مؤتمرات ونصوص، وسيتحقق الكثير لو يرحل المسؤولون وأذيالهم وأدواتهم، فكلّهم مرتكبون بالتغاضي أو التواطؤ أو الاهمال أو الاجرام المشهود.

 

بعد مئة عام، حان وقت التغيير، وبات اللبنانيون مستحقين دولة قانون وسيادة وحريات، فاعلة في محيطها العربي، وحيادية قولاً وفعلاً وقانوناً إزاء أيّ محورٍ اقليمي ودولي.