ميرفت سيوفي –
في 1 أيلول المقبل يصبح عمر «دولة لبنان الكبير» خمسة وتسعين عاماً، بالأمس حددنا عنوان مقالة اليوم «لبنان الكبير المتوسطي والعودة إلى الدولة الفينيقية»، وهذه التسمية وضعها صاحب اقتراحات «حدود الدم»، وكما ذكرنا بالأمس هي إقتراحات.. مجرّد اقتراحات.. أسهمنا جميعاً في تحويلها إلى «قدرٍ مقدورٍ» لمنطقتنا..
قد يكون الكاتب الكويتي «عيسى القدومي» سباقاً في تظهير الصورة الحقيقيّة لـ»حدود الدم» أما الضابط الأميركي السابق «رالف بيترز» صاحب مقالة «حدود الدم» فقد رسم في خارطته موقعاً كبيراً للبنان حدّد فيه ملامح خارطته من بوابة «الدولة السنية العراقية الصغيرة المتكونة من ثلاث محافظات فقط في الوسط فسوف تختار فيما بعد الوحدة مع سوريا، أما سوريا فسوف تخسر المنطقة الساحلية كلها لصالح «لبنان الكبير المتوسطي الطابع مما يؤدي إلى عودة الدولة الفينيقية»، هذه الاقتراحات الدمويّة سيكون من السذاجة تصديقها لمجرّد أنّها منشورة هكذا وببساطة مميتة!!
ولكن، لا تمنعنا سذاجة المقالة من الالتفات إلى تشابهاً في ملامحها مع أحداث المنطقة، فبيترز ألقى في مقالته اللوم على الولايات المتحدة وحلفائها بعدم استثمار «الفرصة العظيمة» بعد سقوط بغداد لتقسيم العراق إلى ثلاث دول من أجل ما يسميه «إنهاء الظلم» وخاطب الدول الغربية قائلاً: إن «كردستان الحرة الممتدة من ديار بكر إلى تبريز» ستكون أكثر الدول صداقة للغرب من بلغاريا إلى اليابان»!!
وفي «الهرطقة» التي اقترحها «رالف بيترز» للخارطة الأميركية الجديدة للشرق الأوسط الجديد تلغى كل الحدود القائمة وتقسّم الدول الحالية فتتحول الدولة الواحدة إلى دويلات وتنشأ دول جديدة وتكبر دول صغيرة وتصغر دول كبيرة، وفي خارطة بيترز الخاسر الأكبر في الخارطة الجديدة هو السودان وكذلك السعودية وإيران… وفي خارطته يقترح بيترز أنّ الجنوب الشيعي العراقي سيكون نواة «الدولة الشيعية العربية» التي ستمتد على طول معظم الخليج «الفارسي»، أما «الأردن الكبير» فإنه سيحافظ على أراضيه الحالية مضافاً إليها مناطق جديدة من السعودية، أي هناك «لبنان الكبير» و»الأردن الكبير»، وأطرف ما تفتّقت عنه هرطقة بيترز هو اقتراحه بوضع مكة والمدينة تحت سلطة دينية خاصة أسوة بالڤاتيكان أي «سوبر ڤاتيكان إسلامي» ويقترح إلحاق آبار النفط السعودية الساحلية بالدولة الشيعية خاصة أن هذه مناطق شيعية، وإلحاق جنوب شرق السعودية باليمن والجزء الشمالي بالأردن، وهكذا يتم حصر السعوديين بالرياض والمناطق المحيطة بها!!
ولإيران حصّة من «هرطقات خارطة بيترز» الذي انشغلت المنطقة بالحديث طويلاً عن حدود الدم وتصديق ترهاتها، وفي هذه الخارطة ستخسر إيران بدورها أجزاء كبيرة من أراضيها لكل من أذربيجان وكردستان والدولة الشيعية و»بلوشستان الحرة» ولكنها ستحصل على منطقة «هيرات» من أفغانستان؛ لأن هذه المنطقة ترتبط لغوياً وتاريخياً مع إيران فتعود إيران دولة «إثنية»، ومن المفارقات المضحكة أن بيترز لا يتخذ قراراً بخصوص الميناء الإيراني الحيوي «بندر عباس»، أما أفغانستان فسوف تعوض ما تخسره من الباكستان مع عودة مناطق القبائل في شمال غرب الباكستان إليها، ومن أجل عودة الباكستان غير الطبيعية إلى دولة طبيعية يجب أن تتخلّى عن منطقة البلوش لنشوء دولة «بلوشستان الحرة»!!
وتتبقّى إمارة الكويت التي ستبقى في الشرق الأوسط الجديد على حالها، أما دولة الإمارات فسينضم بعضها إلى الدولة الشيعية الجديدة التي ستكون مناوئة لإيران وليست حليفة لها كما يقول «بيترز»، أما دبي فستبقى مدينة «الأثرياء»، وزعم بيترز في مقالته أن بابل سقطت ثلاث مرات وستظل مضطربة حتى تتحقق الحدود الطبيعية!!
»حدود ادم» أوهام وهرطقات لضابط سابق عبث بخريطة المنطقة التي ما زالت واقعة تحت تأثير هرطقاته، فمنذ العام 2003 انفجر العراق بوجه المنطقة لكنّه حتى اليوم لم يتقسّم لا هو ولا أي دولة أخرى في المنطقة، «بعبع» التقسيم هذا عايشناه في لبنان فلم يكن أكثر من ورقة عبث بها نظام الاحتلال السوري طويلاً مدّعياً أنه موجود على أراضينا للحؤول دون تقسيم لبنان، مع أنّ أدهى سياساته هي «تقسيم» السياسة إمعاناً في إذكاء الخلاف!!