على أبواب مئوية لبنان الكبير، هل يعود اللبنانيون الى التفكير في لبنان الصغير؟
هذا السؤال يجد تبريراً له، لأن ما يرافق الحلم الذي سعى اليه البطريرك الحويك، ونادى فيه بقوة في مؤتمر فرساي، لا يزال يراود اللبنانيين حيناً، ويخبو بريقه أحياناً.
وبين المراودة والخيبة، تبرز أهمية وطن لا يشكّل شيئاً في عالم التصغير، وهو كل شيء في ظلال التكبير.
إلاّ أن الأكثرية اللبنانية مع التكبير، لا مع التصغير.
والمؤتمر الذي انعقد في عاليه، لهذا الغرض، يؤكد ان فعل الندامة، ليس الخيار الأوسع، لأن البيت الارسلاني شهد تظاهرة ولا يزال على هذا الصعيد.
وردود الفعل على هذا الهدف كانت كثيفة الى حد انها جسّدت ارادة لبنانية ضد التصغير، على الرغم من وجود مبررات ضئيلة للخوف من كيان لبناني تجتاحه أفكار ناشئة من حوادث طارئة.
ولعل الارادة اللبنانية الصافية، التي عبّرت عنها في كلمتها الأميرة حياة ارسلان في نباهة نادرة، أعطت انطباعاً بأن البيت الارسلاني، كان ولا يزال نبعاً فيّاضاً بالفكر اللبناني الأصيل.
عندما راجت فكرة التقسيم، خلال حقبات الحرب على لبنان، تمّ تجاوزها بارادة التوحيد التي رعاها رجال كبار أمثال الرئيس الشيخ بشارة خليل الخوري، وعطوفة الأمير مجيد ارسلان.
وكان للدور الذي مثّله الرئيس رياض الصلح، دور أساسي، في زرع الوحدة وطرد الفرقة بين اللبنانيين.
ولا أحد ينسى الدور الذي مثّله الأمير فيصل ارسلان، في حقبة الثمانينات، في بلورة ارادة التوحيد على أنقاض التقسيم.
ولعل في كلمات الأميرة حياة ارسلان، في ذكرى مئوية لبنان الكبير ما يُحيي ميّت الأمل، في هذه الحقبة، وقد اجتاحتها أفكار غريبة عن الحاضر، وبعيدة من تراث الماضي…
***
ربما، كان وجود الشيخ الرئيس أمين الجميّل في المهرجان، تجسيداً حيّاً، لمئوية لبنان الكبير.
وهذا ما جعل الشاعر الكبير سعيد عقل، يردّد على أبواب مئويته الخالدة، بأن التحدّي الأكبر للبنان في هذه الحقبة، التصميم على انعاش الفكر التوحيدي للبنان الواحد، لأن التسويق للتصغير منافٍ لطبيعة وطن أحياه الانفتاح لا الانغلاق.
ولعل حقبة الأزمة السياسية اليوم، هي ميزان لاستمرار وطن، وجد نفسه بعد قرابة مئة سنة، بين طبقة سياسية عقيمة، ورهانات تتراوح بين وطن تسوده النفايات، وبلد يريد أبناؤه أن يرتاحوا في مناخ عصري يُظللهم بالتوحيد المشوب بألف علّة وعلّة.
هل أضحت ارادة التوحيد في دولة عصرية، قادها القادة الأفذاذ الكبار محكومة برهانات غامضة، لا أحد يرى فيها خيارات عصرية لدولة منفتحة على المستقبل، بآمال حيّة وأفكار صريحة تنادي بالحداثة.
هل أصبح جلّ آمالنا والأفكار، مجرّد صراع على احتلال وزارة البيئة، أو حمل وزير على الاستقالة، ودفع آخر الى المساءلة والمحاسبة.
لا هذا ليس هو لبنان، الذي تحدثت عنه الأميرة حياة ارسلان.
ربما يكون حديث الأميرات، نابعاً أحياناً من قلوب صافية، وأفكار نابعة من الماضي المجيد، ومن التاريخ.
إلاّ أن حاضر لبنان، لا ينبئ بأن هذا الوطن هو وطن الأجداد.
ولعل لبنان الكبير هو الذي يدغدغ وطناً يذهب به اللاعبون بالمصير الضائع بين الماضي الكبير والمستقبل الحزين.