بدأت في فرنسا التحضيرات للإجتماع الوزاري المسبق للمؤتمر الدولي للسلام حول فلسطين في ٣٠ أيار القادم، بما يشبه مؤتمر فرساي الأول عام 1919 والذي أنهى الحرب العالمية الأولى وأنتج عصبة الأمم ودولة لبنان الكبير. وتأتي هذه التحضيرات بعد انتهاء زيارة كل من اوباما وهولاند الى المنطقة، بالاضافة الى العديد من القمم العربية والإسلامية والمبادرات التي أكّدت على أنّ حلول أزمات المنطقة تبدأ من حلّ القضية الفلسطينية وانهاء النزاع الطويل على مدى مئة عام منذ وعد بلفور 1917حتى الآن.
ترك الرئيس الفلسطيني محمود عباس القمة الاسلامية في اسطنبول قاصداً فرنسا قبل زيارة الرئيس هولاند للمنطقة حاملاً معه البيان الختامي للقمة الاسلامية، والذي يتحدّث عن الدعوة لمؤتمر دولي مسبق للسلام حول القدس والدولة الفلسطينية. وكان الرئيس الفرنسي ينتظر كلمة مسبق لأنها تتناسب مع الآلية الفرنسية، أي دعوة مسبقة للدول العالمية والإقليمية والعربية المعنية بالسلام قبل دعوة طرفي النزاع الاسرئيلي والفلسطيني.
نتنياهو كان الأسرع في تأكيد هذا المسعى عندما دعا الى عقد مجلس وزراء اسرائيلي في الجولان بالتزامن مع وجود هولاند في لبنان، معلناً أنّه لن ينسحب من الجولان. وكانت بمثابة شروط اسرائيلية على المفاوضات القادمة على أن تنحصر مهمّة المؤتمر باستكمال عملية السلام الفلسطينية – الاسرائيلية. وهذا ما يستدعي إعادة قراءة زيارة هولاند بما يتعدّى مقام أصحاب الدولة والمعالي في لبنان، مع الأخذ بعين الإعتبار ما حرّكته هذه الزيارة من إنعطافات وإتصالات قد تعيد خلط الأوراق اللبنانية، بالإضافة إلى التحرك الملفت للسيدة سيغريد غاغ وسفراء الدول الكبرى باتّجاه سلة إقتراحات دولية سريعة ربما تؤدّي إلى تحريك الإنتخابات الرئاسية.
الرئيس المصري كان يعرف معنى زيارة الضيف الفرنسي لأنّ مصر هي الدولة العربية القاطرة لعملية السلام في المنطقة بعد اتفاقات كامب ديفيد واتفاقية السلام، بالإضافة إلى علاقة مصر القديمة مع فرنسا منذ حفر قناة السويس، الى احداث لبنان ١٨٦٠، الى مؤتمر فرساي الاول في باريس، الى العدوان الثلاثي عام ٥٦، الى التوافق حول لبنان من العام ٥٨ الى العام ٦٩ مع الشهابية، وصولاً إلى اتفاق القاهرة، قبل أن يتراجع دور كل من فرنسا ومصر في لبنان. وكان كلّ من الرئيسين الفرنسي والمصري يعرفان أن زيارة الملك السعودي الى القاهرة تؤيد هذا التلاقي العربي – الفرنسي.
إنّ دعوة فرنسا الى مؤتمر دولي تمهيدي للسلام في ٣٠ أيار يعني أنّنا سنعيش في مناخ من التقابلات والاصطفافات السياسية والعسكرية، لأنّ ضحايا التسويات عادة يكونوا من الكبار والمتنفذين والقادرين، عكس ضحايا الحروب الذين يكونون عادةً من الأبرياء والبسطاء الطيّبين. وعلينا أن نتوقّع تصاعداً للعنف وربما فتح جبهات جديدة لأنّ الأيام القليلة القادمة قد تكون الفرصة الأخيرة لإعادة رسم الأحجام والتوازنات قبل المؤتمر الدولي للسلام.
معظم اللبنانيّين لم يدركوا تلك الأهمية التاريخية لزيارة هولاند وتحضيراته لعقد مؤتمر دولي للسلام في فلسطين بمثابة مؤتمر فرساي ٢، ولذلك أراد أن يأخذ تلك الصورة التذكارية على درج قصر الصنوبر ومن حوله العائلات اللبنانية الروحية، هناك حيث أخذت الصورة الأولى للجنرال غورو ومن حوله البطريرك الحويك والمفتي نجا يوم إعلان دولة لبنان الكبير في 1 أيلول ١٩٢٠.
ربما أراد هولاند أن يجدّد في 17 نيسان 2016 إعلان دولة لبنان الكبير الثاني وقبل فرساي2 للسلام.