Site icon IMLebanon

مشروع الشرق الأوسط الكبير واللاعب الروسي

عَمِلت الإدارة الأميركية منذ تولّيها إدارة شؤون العالم لفرض سيطرتها بشكل كامل على مختلف الأصعدة. لذلك باشرت قواها الإقتصادية والعسكرية والإعلامية والثقافية في رسم مشاريعها الإستعمارية، مُستغلّةً قوة أيديولوجيّتها البرغماتية التي غذّت الأفكار ودخلت عقول الناس، بحيث أصبح أصغر موظف في أبعد منطقة من العالم يُفكّر بطريقة عملية للوصول إلى تحقيق الأرباح.

في العام 1956 حصل العدوان الثلاثي الذي شنّته كل من إسرائيل وبريطانيا وفرنسا على مصر لاحتلال قناة السويس، إذ سعت من خلاله الدولتان الفرنسية والبريطانية إلى استعادة سيطرتها على مناطق الشرق الأوسط.

إلّا أنّ الولايات المتحدة عملت بقواها الدبلوماسية لوقف هذا العدوان الثلاثي، وذلك تحقيقًا لنوايا مبطّنة لديها، وهي ضرب قدرة التأثير لهذين النظامين على مجريات الأحداث، وطردهما فعليًا من المنطقة. لهذا، بدأت الإدارة الأميركية بالعمل سرًا لاستبدال معاهدة «سايكس – بيكو» وطرح مكانها مشروعها الشرق الأوسط الكبير.

وضع معهد واشنطن للسياسات الإستراتيجية حول الشرق الأدنى(CSIS) مشروع الشرق الأوسط الكبير، حيث أطلقته إدارة الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش على منطقة واسعة تضمّ كامل الدول العربية إضافة إلى تركيا، إسرائيل، أفغانستان، وإيران. وهذا المشروع الأميركي هدفَ إلى قيام نظام إقليمي في المنطقة وفق الرؤى الأميركية – الإسرائيلية.

لعبت الولايات المتحدة الأميركية دور القائد الوحيد للأوركسترا العالمية، إذ باتت تفرض سياساتها من خلال اعتمادها على مبدأ القوة المهيمنة والفارضة لذاتها على خريطة المنطقة. فهي لم تتوانَ عن التدخّل في تفاصيل العلاقات العامة بين دول الشرق الأوسط، لذلك سارعت إلى رسم الخريطة العالمية بما يتناسب مع مصالحها الخاصة.

عملت الإدارة الأميركية لتحقيق الهدفين التاليين:

– الأول، هو المحافظة على وجود الكيان الإسرائيلي من خلال إدخال منطقة الشرق الأوسط في صراعات طائفية ومذهبية لا تنتهي، تستنزف طاقاتها وجهودها لتبقى مستضعفة أمام جبروت القوى الإسرائيلية العسكرية والإقتصادية والسياسية والإستعمارية.

– الثاني، من خلال فرض ذاتها كموجّه رئيسي لسياسات المنطقة، بما يتناسب ومصالح شركاتها العملاقة فتجعل من هذه الأنظمة الحاكمة أداة تعمل لحسابها.

صحيح أنّ المشروع بدأ تنفيذه مع خطاب وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس عام 2006 ، إثر عدوان تموز عن بداية المخاض الحقيقي لولادته، إلّا أنّ دخول اللاعب الروسي على خطّ الصراع في المنطقة، وضع المشروع أمام سيناريوهات مختلفة، من أبرزها:

– إنّ دخول الروسي المنطقة كان نتيجة شعوره بالتهديد الحقيقي لمصالحه في منطقة الشرق الأوسط. لذلك قرّر خوض المعركة بجيشه، بعد أن كان يخوضها عبر وكلاء عنه.

– إما أن يكون الروسي يقوم بما هو مطلوب منه ضمن الخطة المرسومة من قبل الإدارة الأميركية.

– وإما أن تكون الإدارة الأميركية قرّرت التخلي الفعلي عن المنطقة بعد استنزاف مواردها النفطية والبشرية على مدى خمسة عقود، لتوجيه أهدافها إلى منطقة أخرى، ويبدو أنّ وجهتها التالية هي الصين. لكنّها تركت المنطقة لصراعات الدول الأخرى التي دخلت لتحلّ مكانها في هذا الشرق والمرشح الأبرز لإدارة سياساتها هو اللاعب الروسي كما يلوح في الأفق.

أمام هذه السيناريوهات التي تحيط بواقع مستقبل المنطقة، فإنّ الدخول الروسي قد شكّل فعلاً تحولاً جذرياً لرفض هذا المشروع وإفشاله، خصوصاً وإنه كما بات واضحاً يتعارض مع المصالح الروسية في المنطقة على أكثر من صعيد. لذلك لم يتأخّر الردّ الروسي بالتدخّل لإيقاف مفعول هذا المشروع خصوصاً في فقراته التي تهدّد مصالحها على ساحات الشرق الأوسط.

وقبل وضع المراهنات على الدور الروسي في المنطقة، علينا أن ننتظر نتائج التدخّل هذا، لكي تتكشّف الرؤية وتظهر الأهداف العلنية والباطنية للدول المتنازعة على أرض هذه المنطقة. صحيح أنّ دوره عطّل المشروع أو يعمل على تعطيله، إلّا أنه وبحسب الدراسات الجيوبوليتيك يُقال أنّ الدول لا تتحرّك إلاّ بحثًا عن مصالحها، أو لوقف مشاريع تهدّد مصالحها.

أخيراً، في ظلّ هذا المسار للمشروع، يبدو أنّ المواطن العربي هو الذي يدفع الثمن باهظاً. فوسط حالات الدمار المتنقّلة بين المناطق تبدو ثقافة «الفوضى الخلاقة» التي بُشّرنا بها، هي اليوم التي تسيطر على الذهن العربي، وتجعله مسلوب الإرادة والوعي ومتروكاً للذئاب الكاسرة التي تنهش المنطقة تحت عناوين مختلفة. لذلك فمرحلة المخاض تبدو وكأنها ستكون أليمة على منطقتنا قبل أن تظهر الصورة الجليّة بعد فترة.