لا يحتاج اي لبناني الى تعريف ” المختار ” الذي يعتبر ممره الإلزامي شبه اليومي الى كل شاردة وواردة في تنظيم هيكلي قديم للدولة والمجتمع في لبنان، في حياته وحتى بعد الممات. المختار الذي “أرخه” الاخوان رحباني في ما يشبه “الأيقونة” الشعبية في روائعهما لم ينج في زمننا الهالك هذا من لوثة التقاسم وتوزع النفوذ السياسي والحزبي بسطوة غالبة على كل استحقاق ديموقراطي أو سلطوي. لعل ما يدفعنا الى التوقف عند هذه الظاهرة ليس تلمس جشع اضافي لدى القوى السياسية والحزبية الى السيطرة على السلطات المحلية التي تمثلها المجالس البلدية والاختيارية فحسب وانما الخشية من الناخبين انفسهم في استسهال هذا الافراط في “السلبطة” على استقلالية السلطات المحلية. بعض من واقعية يدفعنا الى تفهم معنى معارك طاحنة على بلديات في مدن وبلدات تتشابك فيها العوامل السياسية والحزبية مع العوامل العائلية بصرف النظر تماما عن مفهوم التطوير الانمائي والتحديثي الذي يفترض ان يحتل مفهوم الانتخابات البلدية. ومع اننا نتساءل عما اذا كان المتبارزون في بعض مواقع الحمى الصاعدة بقوة فائقة لا يقيمون اعتبارا لليوم التالي بعد الانتخابات، ترانا نقف عند ما اثير في الساعات الاخيرة مما سمي تقاسما وتوزيعا للمخاتير في المناطق ذات الغالبية المسيحية من بيروت بين الأحزاب والقوى في هذه المناطق وإلا لكان الائتلاف المسيحي الاسلامي العريض في العاصمة عرضة للانفراط! اذا كان تقاسم المجلس البلدي لم يكف هذا “الكونسرسيوم” العملاق الآيل الى حماية المناصفة في اكبر بلديات لبنان، ولسنا بطبيعة الحال ضد حماية المناصفة، فأي منطق هذا في مسخ مفهوم المختار وجعله جزءا من معادلة النفوذ السياسي والحزبي وماذا ترك للناس بعد للنأي ببقايا استقلالية تتيح لهم على الاقل التباهي باختيار المختار؟ قبل الأحزاب المسيحية قيل ان الحزب العملاق الحديد ايضا في المناطق ذات الغالبية الشيعية وضع عينه على المختارين لتكون له الحصة الساحقة. هل ترانا ندخل زمنا كالزوج المخدوع لا نعرف فيه “المعنى المحدث” للمختار، ام ترانا امام قوى شرهة ومستشرفين لقيام نظام جديد من اول السلم يسبق بلوغ القمة بتغيير قواعد اللعبة؟ لعل المختار نفسه المنتخب غدا بقوة النفوذ وتوزيع الحصص والكوتات الحزبية والنفوذية قد لا يجد وظيفته العريقة في مجرد تسيير مصالح الناس ومعاملاتهم اليومية ما دامت حمى السيطرة على السلطات المحلية اجتاحت مفهوم المختار الذي يرقى الى عمر لبنان التاريخي الإداري، ولن تعود النظرة اليه في مدن وبلدات أخضعت للعبث السياسي بهذا القدر الساخر كما كانت سائدة طوال عقود طويلة. حتى المختار لم يتركوه على دينه!