الشعب اليوناني فعل في الاستفتاء ما هو أبعد من قول رئيس الوزراء ألكسيس تسيبراس ان الديمقراطية هزمت الخوف. كان الخيار أمامه بين المعلوم والمجهول، كما قال الحائز جائزة نوبل في الاقتصاد بول كروغمان في النيويورك تايمز. المعلوم هو التصويت ب نعم على قبول مطالب الدائنين بما يعني تشجيع مهندسي الفشل الأوروبي وترك الدائنين يذلّون كل من يتحدّى مطلب التقشف بلا نهاية. وانعكاساته مخيفة جداً بالنسبة الى ما سيحدث لاحقاً: مزيد من التقشف، مزيد من الكوارث، وربما أزمات أسوأ من كل ما رأيناه من قبل. والمجهول هو التصويت ب لا بما يعني احتمال الخروج من اليورو كأمر مؤلم على المدى القصير، ثم اعطاء اليونان فرصة للانتعاش الحقيقي وإحداث صدمة للنخبة الأوروبية.
ذلك ان النخبة الأوروبية السياسية والاقتصادية التي عملت بكل الوسائل للتأثير في خيار الغاضبين كانت في حاجة الى صدمة من البلد الذي لم يتخيّل أحد عندما انضم الى منطقة اليورو انه سيحدث صداعاً كبيرا لأوروبا، حسب سيمون كوبر في الفايننشال تايمس. لا بل الى صدمة مزدوجة لمراجعة أمرين: الأول ان المشكلة، كما يرى كروغمان، تتجاوز اليونان وديونها الى اليورو الذي قاد الى تراجع الدخل القومي في بلدان غير مدينة مثل اسبانيا وحكوماتها غير فاسدة مثل فنلنده. وما يعيد كروبر التذكير به ان اليورو مشروع سياسي ضمن رؤية لبناء أوروبا، لكنه فعل العكس، بحيث ان المشروع الأوروبي يتوقف على محاولة هضم اليورو.
والأمر الثاني هو اصرار المانيا التي تقود اوروبا على فرض التقشف القاسي على البلدان المحتاجة الى الاقتراض، حسب وصفات البنك الدولي. فالاولوية لدى وزير المال الالماني فولغانغ شوبل هي لاخراج اليونان من منطقة اليورو. والهدف المهم لدى بيروقراطية المفوضية الاوروبية والحكومات من خلفها هو اسقاط حكومة تسيبراس اليسارية والسعي لمنع حزب بوديموس اليساري في اسبانيا من ربح الانتخابات كما فعل سيريزا اليوناني.
اما معاناة الشعب اليوناني، فانها الثمن الذي يراد ان يدفعه لكي يتمكن الدائنون من استرداد ديونهم. واما المفارقة، فان الضغوط تتركز على حكومة عمرها شهور ولا علاقة لها بالحكومات السابقة التي بالغت في الاقتراض والانفاق والفساد وسرقة المال العام، بحيث جرى رفض المقترحات التي قدمتها للاصلاح ومعاودة النمو واطفاء الدين. اذ حتى صندوق النقد الدولي، وهو بين الدائنين الضاغطين والراغبين في اسقاط الحكومة اليسارية، فانه لم يجد بدا من الاعتراف بالحاجة الى شطب ثلث الديون على اليونان.
لكن خيار الشعب اليوناني سيجبر القادة الاوروبيين على التراجع امام مطالبه او الذهاب في مغامرة خطرة على اوروبا واليورو.