أحسن ما في الديمقراطية أنَّها تأخذ رأي كل مَن بلغ سنَّ الإقتراع، وأسوأ ما في الديمقراطية أن لأنشتاين صوتاً واحداً تماماً، كما لأيِّ مواطن عادي قد يكون أُميَّا، فيُستفتى في شأنٍ قد يكون يسمع فيه لأول مرة ولا يعرف عنه شيئاً.
طوال أول من أمس الأحد وحتى ساعة متقدمة من الليل، تابع اللبنانيون الإستفتاء الذي جرى في اليونان، أما لماذا تابعوه فهناك أربعة ملايين رأي، حيث أنَّ لكلِّ لبناني رأيه، أما الآراء المتقدِّمة فهي أن سبب المتابعة والسؤال، ما وجه الشبه بين اليونان ولبنان:
ففي اليونان ديونٌ تُثقل كاهل اليونانيين، وفي لبنان ديون تُثقل كاهل اللبنانيين.
في اليونان فسادٌ وتهرُّبٌ ضريبي، وفي لبنان فسادٌ وتهرُّبٌ ضريبي.
في اليونان عائلات تحكم وتتحكَّم أحياناً، ومن أبرزها باباندريو وكرامنليس وميتسوتاكيس وحديثاً تسيبراس.
وفي لبنان عائلات تحكم وتتحكَّم لكنّها بالتأكيد أكثر من أربع عائلات.
وفي اليونان مآزق وعدم معرفة كيفية الخروج من دوامة الديون، وفي لبنان مآزق وعدم معرفة كيفية الخروج من دوامة الديون.
هذه المقارنات دفعت اللبناني إلى متابعة ما يجري في اليونان علَّه يتلمَّس سبل الخروج من أزمته.
***
لكنَّ اليونان وضعها كارثي، وهي تكاد أن تُعلِن تمرّداً أو عصياناً مالياً.
عشرة ملايين يوناني شاركوا في الإستفتاء الذي طرح سؤالاً واحداً هو:
هل يجب القبول بخطة الإتفاق التي طرحتها المفوضية الأوروبية والبنك المركزي الأوروبي وصندوق النقد الدولي؟
وعلى اليوناني أن يجيب إما غير مقبول، لا وإما أوافق، نعم.
لكن هل كلُّ اليونانيين خبراء ماليين واقتصاديين ليعرفوا أين مصلحة بلادهم وأين تكمن؟
إذا قالوا لا فهل يعرفون البديل؟
ولو كان لديهم البديل هل كان الإستفتاء ليُطرَح؟
ثقافة الإستطلاع ليست جديدة على اليونانيين، فهُم اختبروها قبل واحدٍ وأربعين عاماً، حين صوَّتوا مع الجمهورية ضد الملكية. لكن هذا الإنتقال من نظام إلى نظام لم يُحسِّن معيشة الشعب، بل أبقى على العائلات أن تحكم والتي تعرف كيف تتكيَّف مع الأنظمة سواء أكانت ملكية أم جمهورية.
ومنذ ذلك التاريخ، وعلى رغم مرور نحو نصف قرن على الإستفتاء الأول، فإنَّ اليونان لم تتعلَّم ولم تستخلص العِبَر. فالإستفتاء على شكل النظام شيء فيما الإستفتاء على مليارات اليورو شيءٌ آخر.
اليونان دخلت في منطقة اليورو منذ خمسة عشر عاماً، في محاولةٍ منها للإفادة من الدعم الأوروبي، لكنها لم تتعلَّم أنَّ الدول ليس كرماً على درب فراحت تستدين وتصرف إلى أن بلغت ديونها 320 مليار يورو. وكل سنة أمام اليونان استحقاقان كبيران:
الأول دفع جزء من الدين والثاني دفع جزء من فوائد الدين، أما شروط التأجيل فأبرزها التزامها بخطة تقشف وإصلاحات، وهو ما لم تطبقه.
***
فرِح اليونانيون بأن قالوا لا، ولكن ماذا بعد؟
قد تخرج اليونان من منظومة اليورو، قد تعود إلى الدراخما التاريخية، ولكن ماذا تفعل بديونها التي تجاوزت الثلاثمئة مليار يورو؟
البطولات سهلة وكلمة لا لها مذاق طيِّب وترفع المعنويات، ولكن في آخر النهار كيف سيعيش العشرة ملايين يوناني الذين يحق لهم أن يشاركوا في الإستفتاء؟
إنها المأساة اليونانية بإمتياز.