ماذا يعرف رؤساء البلديات والعاملون فيها عن حماية البيئة وصلاحياتهم في إدارة الطاقة والنفايات والتخطيط الحضري وغيرها؟ الإجابة هي أن «معظمهم لا يعرفون شيئاً». فمن خلال ورش عمل أقامتها «الحركة البيئية» مع ممثلين عن المجالس البلدية في محافظة النبطية، وأقضية الشوف والبقاعيْن الأوسط والغربي، في آذار الماضي، تبيّن وجود «نقص في التوعية والتدريب على المفاهيم الخضراء وجهل بالصلاحيات الممنوحة لهم لتعزيز الاقتصاد الأخضر». والخلاصة التي خرج بها تقرير «الحركة البيئية اللبنانية» حول «دور وصلاحيات البلديات في تعزيز الاقتصاد الأخضر على المستوى المحلي»، في اللقاء الذي نظّمته «الحركة» في بيروت الخميس الماضي، هي أنّ أمام لبنان أشواطاً طويلة قبل التعافي المستدام للاقتصاد.فبعد اقتراح «قانون الشراء العام الأخضر»، توجّهت الأنظار نحو البلديات «لقدرتها على التغيير وإدخال الأبعاد البيئية في خطط التعافي الاقتصادي بشكل أفضل من السلطة المركزية، ربطاً بالصلاحيات الممنوحة لها والسرعة في اتخاذ القرارات والتواصل المباشر مع المعنيين»، بحسب وزير البيئة ناصر ياسين. ومع أنّ الطرح حديث، وماهية «الاقتصاد الأخضر» وسماته لا تزال محلّ نقاش المهتمين في المجال البيئي، إلا أنّ عرض التحديات التي تواجهها البلديات على ضوء الواقع المالي والمؤسساتي والتشريعي والقضائي والجهل بالصلاحيات والمسؤوليات… كل ذلك يبقي النقاش في حلقة نظرية، ويجعل «الاقتصاد الأخضر» مجرد «حلم» بحسب رئيس اتحاد بلديات إقليم التفاح بلال شحادة.
ويشرح معدّ التقرير محمد علي المغبط، كيف «ينتظر بعض ممثلي البلديات تدخّل السلطة المركزية في مسائل تعود إليهم ولا سيما في إدارة النقل العام، ويتجاوز آخرون الصلاحية الممنوحة لهم بموجب قانون البلديات لظنّهم أنها تقع ضمن مسؤوليتهم». ويلفت إلى واقعة حصلت «عندما «تواصلت إحدى البلديات مع وزارة الداخلية في شأن الالتزام بتسعيرة مولّدات الكهرباء، فاستشارت الأخيرة بدورها وزارة الاقتصاد التي ردّت بعد عام بأنّ المسألة لا تقع ضمن صلاحيتها وتعود إلى رقابة البلدية».
رؤساء البلديات لا يعرفون صلاحياتهم في إدارة الطاقة والنفايات والتخطيط الحضري
يُعدّ النقص في التمويل تحدياً جوهرياً أمام التحول نحو اقتصاد أخضر، «فميزانيتنا لا تغطي بدلات المياومين، وهناك رؤساء بلديات في الجنوب اعتذروا عن عدم الحضور لأنهم لا يملكون ثمن البنزين، فكيف نفكر مجرد تفكير في الاقتصاد الأخضر؟»، يسأل شحادة. وتحدّث ياسين عن «اللامساواة بين مجالس بلدية صغيرة ومتأخّرة 50 سنة عن مسار التنمية وأخرى تسبق غيرها بـ30 سنة من الخبرة في النشاط الاقتصادي والاستثمارات، ما يطرح الحاجة إلى صندوق داعم للبلديات المتعثّرة، وألا يزيد الاقتصاد الأخضر من الهوّة بين البلديات، ويحقق المنفعة للبلديات الكبرى على حساب الصغيرة». وإلى جانب إفلاس البلديات، «العين بصيرة واليد قصيرة» في الوزارات المعنية في الاقتصاد المستدام. فبعدما استعرضت الخبيرة في الزراعة في وزارة الاقتصاد والتجارة سهام ضاهر الدور الكبير والمؤثّر لوزارة الاقتصاد في توعية المستثمرين وتسهيل عقد اتفاقيات تجارية تراعي المعايير البيئية وتوعية المستهلكين لتفضيل سلعة صديقة للبيئة وإن كانت أعلى كلفة… سرعان ما تحوّلت إلى «العجز الكامل عن تنفيذ كل ذلك بسبب ارتفاع كلفة المشاريع في ظلّ الأزمة الاقتصادية وإعادة ترتيب الأولويات وعدم الاستقرار السياسي والأمني». كذلك، «برز تحدّ يرتبط بقلّة التعاون بين البلديات والضابطة العدلية وبينها وبين الوزارات، وغياب التخطيط، ولا سيما غياب خطة وطنية زراعية وأخرى تنظّم التصدير، واحتكار مؤسسة كهرباء لبنان إنتاج الطاقة رغم تجاوز العقبات القانونية وإقرار قانون إنتاج الطاقة المتجددة أواخر عام 2023 الذي يسمح للبلديات بالدخول في شراكة مع القطاع الخاص لإنتاج الطاقـة الشمسية». كما تبدّلت أولويات البلديات جنوباً نتيجة الحرب، وبات التركيز على الحالات الإنسانية ورفع الأنقاض.
وبعيداً عن التحديات التي تعيق قدرة البلديات على التزام المعايير البيئية في الأنشطة الاقتصادية، سأل الحاضرون عن اهتمام البلديات في هذا المجال، ومحاولات التطبيق بحسب ما تسمح قدرتها، وعلاقة بعضها مع المستثمرين الذين يرجّحون المعايير الربحية على المعايير البيئية. كذلك طُرحت مسألة الرقابة الإدارية التي تمارسها السلطة المركزية على البلديات، «فهناك موجّه بلدي في وزارة الداخلية لكنّ دوره غير رقابي بل مجرد الإشراف والتوجيه»، بحسب هويدا الترك، محافظ النبطية بالتكليف. ووجهت الترك أصابع الاتهام في مسألة غياب المشاريع الصديقة للبيئة إلى البلديات التي «تعيش وفق ميزانيتها السنوية ولا تخطط استراتيجياً لأسباب مادية، ولا تتابع المشروع بعدما ينفد التمويل الذي تحصل عليه».
ما هو الاقتصاد الأخضر؟
عرّف برنامج الأمم المتحدة للبيئة «الاقتصاد الأخضر» بأنّه «نظام اقتصادي يهدف إلى تعزيز التنمية المستدامة من خلال دمج الاعتبارات البيئية في السياسات والممارسات الاقتصادية». وشرح وزير البيئة ناصر ياسين في اللقاء الذي نظّمته «الحركة البيئية اللبنانية» في بيروت الخميس الماضي كيفية التوصل إلى «الاقتصاد الأخضر» من خلال «الإدارة الرشيدة للموارد الطبيعية، واعتماد التقنيات والممارسات الصديقة للبيئة مثل إدارة النفايات، وتعزيز مصادر الطاقة المتجددة كالشمس والرياح والطاقة الكهرومائيـة».
وتبرز أهمية «الاقتصاد الأخضر»، من خلال «تقليل التلوث، ومكافحة التغيُّر المناخي، وتعزيز أمن الطاقـة عبر التقليل من الاعتماد على الوقود الأحفوري المسـتورد، وخلق فرص عمل في قطاع الطاقة المتجددة والبناء الأخضر وإدارة النفايات… وتحفيز الابتكار، إضافة إلى تعزيز العدالة البيئية في الوصول إلى الهواء النظيف والماء والغذاء».