عاد الدبلوماسي الروسي ميخائيل بوغدانوف بعد جولة على عدد من العواصم العربية كانت سوريا محطته الرئيسية يؤكد للقيادات اللبنانية التي التقاها بعد عودته الى بيروت على ضرورة وأهمية التحاور في ما بينها لإنتاج رئيس جمهورية يسد الفراغ في هذا الموقع الحساس ويعيد انتظام المؤسسات التي تعاني بدورها الشلل شبه الكامل مستفيدين من المناخات الاقليمية والدولية لتحييد بلدهم عن التحولات الكبيرة التي تهب على المنطقة بقدر استفادتهم من التعاطف الدولي معهم، وإعطائه الأولوية في التفاهمات الجاري بحثها والتي يمكن أن تتراجع في حال لم يثبت اللبنانيون أهليتهم لالتقاط الفرصة الراهنة، وتوظيفها في خلاص بلدهم، وأن التجاذبات الداخلية التي لا أفق لها سوى الدفع في اتجاه السقوط في الهاوية.
ويدل توسّع مروحة اتصالات الموفد الروسي لتشمل كافة قيادات الطوائف اللبنانية على مدى ما توليه بلاده من حرص على عدم انزلاق بلدهم في ما يحصل في منطقة الشرق الأوسط وفي معظم الدول العربية من اهتزازات تتجاوز الأنظمة القائمة على مصير الكيانات بحد ذاتها، ولا يكون ذلك إلا بالتفاهم على سدّ كل الثغرات التي يمكن أن تدخل منها العاصفة التي تهبّ على المنطقة بدءاً بالاتفاق على سدّ الفراغ في رأس الدولة لكي تنتظم المؤسسات المهددة بالشلل من الحكومة الى مجلس النواب الممدّد له بشبه إجماع الكتل النيابية واستثناء تكتل التغيير والاصلاح برئاسة النائب ميشال عون الذي لا يزال حتى الآن يرفض الاستجابة لكل النصائح الدولية والعربية والدخول في عملية البحث عن رئيس توافقي ويصرّ على أن يستمر في ترشيح نفسه بالرغم من معرفته الأكيدة بأن حظوظه معدومة في ظل الانقسام السياسي العامودي القائم.
ويبدو أن الاهتمام الروسي بلبنان وحرص قيادتها على مساعدته للخروج من أزمته البنيوية ودفع قياداته للاستفادة من المناخات الاقليمية والدولية المؤاتية والاتفاق على حلول لأزماتهم، وفي مقدمتها أزمة الانتخابات الرئاسية، شكّل حافزاً إضافياً لفرنسا التي تربطها علاقات مميزة مع لبنان لكي توسع حركة اتصالاتها مع دول المنطقة ذات التأثير المباشر على اللبنانيين كإيران والمملكة العربية السعودية، وإقناعهما بفتح ثغرة في جدار أزمة الانتخابات الرئاسية المسدود وقد سمع الرئيس تمام سلام الذي التقى أمس رئيس جمهورية فرنسا هولاند مدى قلقه على لبنان بسبب استمرار الخلافات بين قياداته، والجهود التي يبذلها شخصياً مع القوى المؤثرة للإفراج عنه وتركه يعيش ويستعيد وجوده المهدد بسبب التدخلات الخارجية في شؤونه الداخلية.
هذه المؤشرات الإيجابية رافقتها حركة ناشطة لبكركي التي ما زالت تشكل المرجعية الوطنية والمسيحية لحثّ القيادات المسيحية على أخذ الأخطار التي تهدد الكيان بواقعية والعمل على التفاهم في ما بينهم على رئيس توافقي تقتنع به القيادات الاسلامية ويشكل انتخابه مدخلاً لوفاق وطني شامل على التعاون من أجل درء الأخطار عن بلدهم، ولكن لا مؤشرات حتى الساعة تعطي أملا ولو ضئيلا جداً بنجاح مسعى بكركي ما دام الضوء الأخضر الخارجي لم يصدر بعد.