كشفت مصادر واسعة الإطلاع أن رئيس «اللقاء الديمقراطي» النائب وليد جنبلاط نجح في اجتذاب رئيس تيار «المستقبل» سعد الحريري، إلى منطقة الوسط، بحيث خرج «التيار الأزرق» من موقع الطرف الأول في قوى 14 آذار، إلى موقع «الوسطية المتقدّمة» التي نجح النائب جنبلاط في تكريسها كجهة ثالثة في الإصطفاف السياسي الداخلي. كما كشفت المصادر، أن تنسيق رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي مع السفير السابق للولايات المتحدة الأميركية دايفيد هيل، قد أنتج ما يشبه التوجّه الجدّي للسير بخيار ترشيح النائب سليمان فرنجية للرئاسة الأولى، لافتة إلى أن السفير هيل، الذي تربطه صداقة متينة بزعيم المختارة، قد تناول الملف الرئاسي مع أكثر من مرجعية في فريق 8 آذار، وذلك انطلاقاً من إعجابه بشخصية النائب فرنجية وصداقته، وذلك على الرغم من التباين الكبير في الآراء والتوجّهات السياسية بينهما، خصوصاً بالنسبة للعلاقات الوثيقة التي تجمع فرنجية بالرئيس بشّار الأسد. وأضافت المصادر نفسها، أن طرح السفير الأميركي السابق لم يأتِ من دون تنسيق مسبق بين الإدارة الأميركية والقيادة السعودية نظراً للموقف السعودي من الإستحقاق الرئاسي، والذي سبق وأن وضعت المملكة العربية السعودية أكثر من «فيتو» على مرشّحين للرئاسة في مراحل سابقة.
وفي هذا المجال، فقد كان للسفير السعودي علي عواض عسيري نقاش مستفيض مع السفير هيل قبل مغادرته لبنان بحسب المصادر، وتمّ بنتيجته تكوين انطباع جرى إبلاغه لجنبلاط، الذي كلّف معاونه السياسي الوزير وائل أبو فاعور، متابعته بشكل ميداني في الرياض أولاً، ومع الرئيس الحريري ثانياً. وأضافت هذه المصادر، أن النائب جنبلاط، وبعدما تلقى إشارات إيجابية من المملكة العربية السعودية، بادر إلى طرح الملف الرئاسي خلال حفل الغداء الذي أقامه توفيق سلطان لتكريم بعض رموز «الحركة الوطنية». وفي إطار النقاش خلال هذا الغداء، برز إجماع وجدّية للسير في خيار ترشيح النائب فرنجية للرئاسة في مرحلة أولى، على أن يتم التباحث في مرحلة لاحقة في «ضمانات سياسية» تشمل قانون الإنتخاب والشأن السيادي والملف السوري، أي أن يتم التوافق على هذه العناوين، ولكن ليس قبل التوصّل إلى توافق إقليمي ـ دولي على التسوية السورية في سوريا. كذلك، تحدّثت المصادر عينها، أن زعيم المختارة استكمل اتصالاته مع النائب السابق غطاس خوري الذي نقل بدوره هذا الطرح للحريري، الذي اطّلع على الموقف السعودي ولمس إيجابية تجاه الحوار بين «المستقبل» وزعيم «المردة».
وانطلاقاً من هذه المعطيات، كان للسفير الفرنسي في بيروت موقف دعا فيه إلى ترقّب اتجاهات أقطاب وأركان قوى 14 آذار إزاء هذه الفكرة، خاصة وأن هؤلاء عبّروا عن صدمة لدى اطلاعهم على هذه المناخات، وهو ما دفع برئيس حزب «الوطنيين الأحرار» دوري شمعون، إلى انتقاد ترشيح النائب فرنجية، وكذلك المنسّق العام لقوى 14 آذار الدكتور فارس سعيد، الذي أعلن أنه سيرحل عن لبنان مع عائلته في حال وصول النائب فرنجية إلى قصر بعبدا.
وأكدت المصادر نفسها، أن اتصالات سرّية قد جرت بين الرئيس فؤاد السنيورة مع بعض أركان 14 آذار بعد هذه المواقف ووضعهم في صورة اللقاء الباريسي، وطمأنهم إلى أن الحريري لن يسير في خيار ترشيح فرنجية للرئاسة قبل الحصول على إجماع من كل مكوّنات 14 آذار، وتحديداً «القوات اللبنانية» على هذا الخيار. وبالتالي، فإن ما من موقف حاسم حتى الساعة من قبل الحريري وقوى 14 آذار، رغم جدّية الحوار الذي انطلق بين الحريري وفرنجية. وقد أكد رئيس «المردة» بنفسه هذه الأجواء في حديثه بالأمس، إذ أعلن أنه ينتظر موقفاً رسمياً من الفريق الآخر حول ترشيحه للرئاسة بموازاة التأكيد على أن العماد ميشال عون هو المرشّح الأول لدى قوى الثامن من آذار.