بين الخوف من الآتي والعمل على تخفيض الإنبعاثات
نعم، صدقوا، في زحمة ما نعيشه من سواد هناك خبر سار وصلنا للتوّ من الخبير في مجال الدراسات البيئية والتغيرات المناخية الدكتور علي عدنان الشعار: إنتهى لبنان من وضع خطة عمل لخفض إنبعاثات ثاني أوكسيد الكربون الناتجة عن الطيران الدولي لثلاث سنوات مقبلة. إنه عمل استراتيجي ومنتج لبناني مئة في المئة عملوا عليه طوال سنتين ووافقت عليه «إيكاو» ICAO(منظمة الطيران المدني الدولي). أصبح لبنان منذ يوم الجمعة الماضي على الخريطة العالمية الخضراء لـ «إيكاو» ضمن 141 دولة من أصل 193. خبرٌ سار فلنتشارك به.
كل شيء يتغيّر. المناخ في لبنان ما عاد «حلو». الأمطار تهطل سيولاً والمخاوف تتسّع. والتحرك بات لزاماً. لكن، في زحمة مشاكلنا وترقّب الأسوأ عسكرياً وسياسياً ومناخياً، إلتزمت أخيراً المديرية العامة للطيران المدني في لبنان بالتخفيف من تأثيرات صناعة الطيران المدني البيئية في سبيل تحقيق نظام طيران مستدام في لبنان بعناصره ذات الأبعاد الثلاثة: الإقتصاد والبيئة والمجتمع.
جميلٌ أن نشعر ببارقة ضوء من مكان ما. فماذا في التفاصيل التي سجلها الدكتور علي عدنان الشعار؟
إلتزمت الحكومة اللبنانية من خلال مديريتها العامة للطيران المدني بالكامل بمعالجة آثار تغيّر المناخ للطيران التجاري وتحقيق تخفيض إنبعاثات ثاني أوكسيد الكربون من خلال وضع استراتيجية طويلة الأمد باستخدام خطة عمل، على أن يتم تحديث خطة عمل لبنان كل ثلاث سنوات من تاريخها الأول (أي منذ اليوم). وفي حال حدوث تغيير كبير سيتمّ تعديل خطة العمل هذه على الفور. ستكون الخطة المستقبلية للطيران المدني على النحو التالي:
أولاً، الإستعداد الكامل للمشاركة في خطة كورسيا (هي خطة عالمية قائمة على السوق ومصممة لتعويض إنبعاثات ثاني أوكسيد الكربون الصادرة عن الطيران الدولي بهدف تثبيت مستويات هذه الإنبعاثات) وذلك مع بداية المرحلة الثانية من التنفيذ (بدءاً من سنة 2027).
ثانياً، تحسين إدارة الحركة الجوية من اجل تقصير مسافات الرحلات الجوية، ما يؤدي الى تقليل إستهلاك الوقود وانبعاثات ثاني أوكسيد الكربون.
ثالثاً، تحديث إجراءات المطار لمشغلي الطائرات العاملين في B-RHIA (مطار رفيق الحريري الدولي) من أجل تقليل إنبعاثات ثاني أوكسيد الكربون من الطائرات والأرض، باستخدام النقل بمحرك واحد.
رابعاً، تشجيع شركات النقل في منطقة الشرق الأوسط وافريقيا على استخدام الوقود المؤهل لخطة كورسيا أو وقود الطيران المستدام أو وقود الطيران منخفض الكربون.
المساعدة مطلوبة
إلتزم لبنان، لكن لكي يتمكن من تنفيذ النقاط المذكورة، يحتاج الى مساعدة فنية ومالية. وفي الموازاة، مطلوب من أصحاب المصلحة الخارجيين ما يلي:
تنفيذ نظام للرصد المستمر لانبعاثات ثاني أوكسيد الكربون في منطقة معلومات الطيران اللبنانية. والدعم في تنفيذ تدابير التخفيف وفي المساعي البحثية التعاونية، بالإضافة الى الحصول على تدريب في إطار برنامج ACT-CORSIA. والإستفادة من مكتب التعاون الفني TCB (مثل تلزيم شراء نظام رادار جديد للمراقبة الجوية والأنظمة الملاحية).
النية موجودة. والمساعدة مطلوبة. ومطار رفيق الحريري الدولي قرر الإنخراط. فما أهمية مطار العاصمة عالمياً؟ وماذا في الدراسة التي قدمها لبنان عن طيرانه المدني؟ يقع لبنان على الشاطئ الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، عند مفترق الطرق بين الغرب والشرق. وعاصمة لبنان بيروت إحدى أقدم المدن في العالم، وتبقى على الرغم من تدميرها وإعادة بنائها سبع مرات على مدار عمرها البالغ 5000 عام. وكان لبنان الدولة الأولى في الشرق الأوسط التي ذاقت تجربة الطيران عندما هبط الطيار الفرنسي جول فيدرين في كانون الأول عام 1913 على شريط عشبي في منطقة الكرنتينا شمال بيروت، قبل عام واحد فقط من الحرب العالمية الأولى، وفي العام 1920، إستقبلت بيروت أول قاعدة جوية عسكرية لها في منطقة الدورة. في العام نفسه، قام ألفرد سرسق مع مجموعة لبنانيين، بدعم كامل من سلطات الإنتداب الفرنسي، بتأسيس «نادي الطيران في سوريا ولبنان».
حمل قسم الطيران في لبنان إسم «فيكتور دينين» نسبة الى قائد القوات الجوية الفرنسية في بلاد الشام. وفي العام 1924 أصبح الشاب جوزف الياس عكر أول لبناني يحصل على شهادة الطيران. كان لبنان آنذاك ضرورة لقوى الإنتداب الفرنسي. لاحقا، اصبحت الخدمة الجوية الى بيروت تتضمن طائرات مائية. وفي العام 1936، شهد لبنان بناء أول مطار مدني «مطار بئر حسن» على كثبان بيروت الرملية. وفي العام 1954 تمّ إفتتاح مطار بيروت الدولي رسمياً وحلّ مكان مطار بئر حسن. ومنذ ذاك الحين إنجذب كثير من الشركات والسياح من جميع أنحاء العالم الى بيروت التي أصبحت – كما نتغنى بها- مركز الحياة الإقتصادية والإجتماعية والفكرية والثقافية في الشرق الاوسط. كانت العاصمة اللبنانية تعتبر جنّة الليبرالية بفضل مينائها ومطارها. الميناء كاد يزول والمطار يؤمل أن يستمر.
بعد الحرب
إندلعت الحرب اللبنانية في العام 1975 والأعوام الذهبية تلاشت. إنتهت الحرب وبدأت في العام 1994 عملية إعادة بناء المطار وتمكينه من التعامل مع ستة ملايين مسافر سنوياً. وفي تموز عام 2005 أصبح مطار بيروت الدولي مطار رفيق الحريري الدولي. تبدل الإسم. هذا المطار أصبح أكثر المطارات إزدحاماً في منطقة الشرق الاوسط.
مرّت الأعوام إلتزم لبنان خلالها باتفاقيات عدّة. لبنان هو دائما السبّاق الى ما يضرّه والى ما ينفعه. فماذا عن جديد إتفاقيات المطار بعد الـ 2019؟ بناء على أهمية النقل الجوي في لبنان واستناداً إلى إتفاقية العام 2019 الصادرة عن الإتحاد الدولي للنقل الجوي- أياتا هناك ثلاث طرق لقياس تأثير النقل الجوي: الوظائف والإتفاق الناتج عن شركات الطيران وسلسلة التوريد الخاصة بها وتدفقات التجارة والسياحة والإستثمار الناتجة عن المستخدمين من كل الفئات. وقد أظهرت السيناريوات المتوقعة لسوق النقل الجوي لحركة الركاب والوظائف والناتج المحلي الإجمالي – وفقاً لاتجاهات الإتحاد الدولي للنقل الجوي لعام 2018- نمواً بنسبة 113 في المئة على مدار العقدين المقبلين. هذا معناه أن هذا النمو سيؤدي الى 4,4 ملايين مسافر بحلول سنة 2037. هذا ممتاز لكن الإستحقاق البيئي سيكون- في حال لم تتخذ إجراءات- كبيراً.
مساحة ومدارج وشركة
شُيّد مطار بيروت على مساحة إجمالية تبلغ سبعة ملايين متر مربع. هو على شكل حرف U. يضم 21 بوابة إتصال تخدمها جسور تحميل الركاب وسبع منصات بعيدة. يتكون المطار من ثلاثة مدارج: واحد شرقي طوله 3800 متر، وثان غربي طوله 3398 متراً، وثالث هو المدرج الغربي القديم وطوله 3000 متر. عرض جميع المدارج 45 متراً.
ماذا عن شركة طيران الشرق الأوسط؟
تأسست في العام 1945، بعد فترة قصيرة من الحرب العالمية الثانية، وهي شركة خاصة مملوكة من مصرف لبنان المركزي. وهي أطلقت أولى رحلاتها الى المدن المجاورة مثل سوريا وقبرص ومصر والسعودية والكويت… وتمكنت الشركة من البقاء على قيد الحياة – خلال الحرب – من خلال تأجير الطائرات وإعارة الموظفين الى شركات دولية. كان المطار هدفاً في حرب تموز. (وعسى أن يمر القطوع الجديد على خير) بعد إنتهاء الحرب واصلت الشركة توسعها وامتلكت لأول مرة طائرة A330. وفي العام 2007، تم تحقيق أرباح قدرها 62 مليون دولار أميركي وأعلنت الشركة عن شراء عشر طائرات.
نتابع. في توقعات المطار، يمكن الوصول الى عدد ركاب يُقدر بـ 13 مليون شخص سنة 2050. هذا إذا كان الوضع مزدهراً.
بالنسبة الى توزيع حركة الركاب، دلّت البيانات التي جمعت بين عامي 2008 و2022 الى كيفية توزع الحركة من والى المطار: الوجهات الأكثر إزدحاما كانت الإمارات العربية المتحدة (17 في المئة)، تركيا (12,28 في المئة)، المملكة العربية السعودية (9,59 في المئة)، فرنسا (8,31 في المئة)، مصر (5,85 في المئة). هذا معناه أن 53 في المئة – أي أكثر من نصف توزيع الركاب – كانت في تلك الإتجاهات.
ماذا عن سيناريو تطور حرق الوقود تاريخياً؟
لفهم كيفية تأثير التكنولوجيا على إنبعاثات الطائرات، تؤخذ في الإعتبار قوى الطيران (الدفع والسحب والرفع والوزن). المحركات النفاثة تسبب كثيراً من الإنبعاثات في حين أن الطائرات اليوم، بنسبة ثمانين في المئة – باتت أكثر كفاءة في استخدام الوقود لكل كيلومتر راكب مما كانت عليه في الستينات. والهدف الأساسي في تصميم الطائرات هو تقليل إستهلاك الوقود. ويجب الأخذ في الإعتبار أن طائرة الخطوط الجوية لديها عمر خدمة يتراوح بين 15 و20 عاماً، ما يستلزم تجديد الأسطول من وقت الى آخر باستخدام الطائرات الأكثر كفاءة في استهلاك الوقود. تتدهور حال الطائرة بمرور الوقت. وهناك نظام في الطيران اللبناني ينص على أنه لا يجوز لاي شخص أن يسيّر طائرة على خطوط شركة الطيران اللبنانية ما لم يكن عمرها مساوياً أو أقل من 15 سنة.
لبنان قدّم كل المعلومات والتزم بمواعيد. فهل سيفي؟ وهل المفاجآت التي تطرأ – أو قد تطرأ – تلغي كل المواعيد؟