IMLebanon

تمنيات في زمن الحوار  من لبنان إلى الرياض

ما دامت الدنيا العربية في هذه المرحلة دنيا حوارات بأمل إختصار مساحة التأزم في العلاقات ومنها على سبيل المثال لا الحصر، الحوار اللبناني – اللبناني المتعدد الأطياف والطوائف، والحوار الليبي – الليبي، والحوار السوداني – السوداني بجناحيْه الشمالي والجنوبي، والحوار المصري – الأثيوبي ثم أحْدثها الحوار اليمني – اليمني في رياض الملك سلمان بن عبد العزيز، فإنني من بين الكثرة من أبناء الأمة كنت أتمنى لو أن الجهات المعنية في دولة الإمارات وضعت على جواز سفر وزير الصناعة حسين الحاج حسن تأشيرة من النوع المتميز ورحب نظيره الإماراتي بمقدمه وليس منْعه من دخول دولة الإمارات للمشاركة في معرض للصناعات الغذائية.

كما كنت أتمنى أن يكون وصوله إلى الدولة مناسَبة لوضع ملفات أمامه كونه من القياديين في «حزب الله» توضح موجبات الموقف الذي إتخذتْه الدولة الإماراتية في حق الحزب. وإلى ذلك تُجري مع الوزير جولة أفق كونه من النخبة المثقفة ينقلها إلى القيادة فتأخذ هذه في الإعتبار أنه إذا كانت المقاومة خياراً وواجباً فإن مصلحة الوطن وظروف عشرات الألوف من اللبنانيين العاملين في دولة الإمارات وسائر دول مجلس التعاون الخليجي حق على «حزب الله» من الضروري الحرص عليه.

وإذا كان هؤلاء الألوف لا يقولون ذلك على الملأ فإنهم في قرارة النفس يرون أن هذا التعاطي التدخلي من جانب «حزب الله» في قضايا داخل دول الخليج بات يُهدّد بقطع أرزاق هؤلاء ومئات الألوف من العائلات التي تصمد معيشياً بما يحوِّله العاملون في دول الخليج من أموال أفادت في سنوات الإستقرار القليلة التي عاشها لبنان في زمن الرئيس رفيق الحريري رحمة الله عليه، في بناء منازل أو ترميمها في العاصمة وفي البلدات والقرى، وتفيد كثيراً في زمن الضائقة الإقتصادية والمعيشية الناشئة عن حالة عدم الإستقرار التي يتحمل مشروع «حزب الله» ثلثيْ المسؤولية عنها بدليل أنه بدأ مناورة سياسية على صعيد إنتخاب رئيس للجمهورية فإنتهت المناورة تعطيلاً للإنتخاب..

إن كلاماً كثيراً من المفيد أن يسمعه «حزب الله» من المنبع الخليجي وليس فقط من المصب، وحيث أن إمكانية وجود أحد قياديي الحزب ليست واردة في صيغة دعوة فيما هي وردت من خلال مؤتمر مستضاف، فإن توظيف الصيغة المشار إليها ربما يفيد ومن المؤكد أنها صيغة لا تضر.

وكنا نتمنى لو أن السفير الأميركي ديفيد هيل شجَّع بالكلام الطيِّب المحاولة الخجولة للحوار الحاصل في رحاب الرئيس نبيه برّي بين «حزب الله» و«تيار المستقبل» بدل أن يرمي المزيد من الحطب على نار ما زال أصلاً لهيبها على إشتعاله.

لكن الذي حدث عكس ما تمنيناه من السفير هيل الذي هو عند إستحضار السابقين الذين شغلوا منصب السفير لدى لبنان نجده أكثرهم رقياً وأقلهم مدعاة لتحسُّس اللبناني (بإستثناء النائب المقاوم نواف الموسوي وسائر المقاومين) من الدور الأميركي يمارسه سفراء أميركا لدى بعض الدول العربية وبالذات مصر والعراق.

والذي حدث مصادفة أو عمداً هو أن السفير هيل ولمناسبة زيارة ذات طابع أمني سيقوم بها وزير الداخلية المقدام نهاد المشنوق إلى واشنطن وتندرج ضمن زيارات نوعية كان أبرزها تلك التي قام بها إلى دولة الإمارات التي كان الترحيب الرسمي بها متميزاً وهو تميُز كان جديراً بزميله حسين الحاج حسن لو تمت زيارته، قام بزيارة الوزير نهاد المشنوق وألقى بعدما إلتقاه تصريحاً يتضمن بضع كلمات حول «الإجتماع الممتاز» مع الوزير ومطالعة من عشرات الكلمات حول الضرر الذي يُلحقه «حزب الله» بلبنان مثل قوله «إن الضرر على الإستقرار اللبناني الناجم عن إنتهاك حزب الله لسياسة النأي بالنفس لا يزال مستمراً…» و«إن حزب الله لا يزال يتخذ قرارات الحياة والموت نيابة عن كل لبنان فلا يشاور أحداً ولا يخضع لمساءلة أي لبناني، ويرتبط بقوى خارجية…». كما أن المطالعة  الـ «هيلية» (نسبة إلى عائلة السفير هيل الأقرب تسمية إلى حبة الهيل الذي يستعمله العرب والمشارقة في قهوْتهم وبعض مآكولاتهم من أجل المزيد من التطييب) لمست العقدة الأهم التي يتحمل إرباكها «حزب الله» بالذات بدليل أن أحد نواب الحزب حسن فضل الله ما زال كما حزبه بطبيعة الحال يرى «أن الإستحقاق الرئاسي موضوع وطني ينطلق من معايير يؤمن بها الحزب ويرى في العماد ميشال عون الإسم المؤهل لإستلام هذا المنصب…».

وحول هذه العقدة رأينا السفير هيل يقول: «إن الخلافات حول إنتخاب رئيس للجمهورية أخذت العمل الإنتظامي للحكومة إلى طريق مسدود، وكل ذلك في وقت يجب أن تعمل كل مكوّنات الدولة في إنسجام لمعالجة هذه المشاكل وغيرها وفقاً للدستور والميثاق الوطني، ولا يوجد سبب للتأخير وقد حان الوقت لوضع إستقرار لبنان قبل السياسات الحزبية، ويجب ألاًّ يكون هناك أي توقعات لصفقات خارجية لإختيار رئيس للجمهورية، وبدلاً من النظر خارج لبنان للحصول على إجابات فإننا نحث زعماء لبنان على إحترام دستورهم وإنتخاب رئيسهم من تلقاء أنفسهم..».

قبل السفير هيل سمعنا الكثير من هذا الكلام وسنظل نسمع من السفير السعودي علي عواض عسيري التمنيات والسعي المتجدد خصوصاً في ضوء الحوار اليمني – اليمني الذي ستحتضنه الرياض ويرعاه الملك سلمان على نحو رعاية شقيقه الراحل الملك فهد رحمة الله عليه وإخوانه وشعب المملكة للحوار اللبناني – اللبناني المثمر في الطائف، ومع ذلك لا نرى في الأفق أي ملامح إنفراج مما يعني أن على اللبنانيين أن ينتظروا المزيد من المطالعات والمواعظ كتلك التي أفاض فيها السفير هيل في وداعيته للوزير نهاد المشنوق الذي سيسمع من أصحاب القرار الأمني خلال زيارة الولايات المتحدة مثل هذه الهيليات (نسبة إلى هيل) التي لن تحل من المعضلة شيئاً قبل أن تتضح مرامي الإدارة الأميركية من لعبة «توم وجيري» التي يقوم بها الوزير جون كيري مع نظيره الإيراني محمّد جواد ظريف والتي يريد من الدبلوماسية الفرنسية مجاراته في حذاقته التي يعتمدها في التفاوض مع إيران، والتي على ما يبدو ترتاب الدول الخليجية في مسألة ما وراء هذه الحذاقة التي بدت واضحة من خلال تصريحات أدلى بها الوزير كيري عندما زار الرياض وتحادث فيها مع وزراء خارجية دول مجلس التعاون ثم عندما إنتقل إلى باريس للتشاور مع الوزراء الأوروبيين في موضوع التفاوض.

نخلص إلى القول إنه إذا كان الموضوع الرئاسي في لبنان سيظل حالة عالقة تلازماً مع الحالة النووية الإيرانية العالقة والحالة السورية الخانقة المرتبطة بها، فهذا يعني أن لبنان الذي إعتاد على الوضع الذي هو عليه لليوم الواحد والتسعين بعد المئتين من دون رئيس للجمهورية سيتم التمديد الإقليمي والدولي لحالة الفراغ الرئاسي فترة بعد أخرى، وسنبقى نسمع مواعظ وتحذيرات من مرجعيات خائفة على لبنان مثل البطريرك الراعي الذي قال في قدّاس الأحد أول آذار 2015 «إن المعنيين بعدم إنتخاب رئيس للجمهورية يتسببون بنزف مقدرات الدولة وأخلاق شعبها» ومثل قول المفتي الشيخ عبد اللطيف دريان في اليوم نفسه «إن التأجيل تلو التأجيل، في إنتخاب رئيس للجمهورية مُعيب بحق لبنان واللبنانيين..».

كما سنظل نسمع مطالعات من أطراف تتجنى على اللبنانيين بتعطيلها إنجاز الإستحقاق الرئاسي ونعني تحديداً النظام الإيراني الذي في مقدوره لو أحسن النية أن يزكي شخصية مارونية غير العماد ميشال عون ويحرج بذلك مَن يعترض على التزكية وفي ذلك يكون عوَّض اللبنانيين سنوات من فقدان الإزدهار نتيجة الخلل في الإستقرار.. إلاَّ إذا كان التمسك بترشيح العماد عون «الذي هو الوحيد المؤهل لإستلام الرئاسة» على حدّ قول النائب المقاوم حسن فضل الله هو أنه ليس بين الشخصيات المارونية مَن هو مؤهل لخوض تجربة تحالُف مع «حزب الله» شبيهة بتجربة التحالف التي إعتمدها العماد عون على أساس أنه سيكون رئيس الجمهورية بعد الرئيس إميل لحود ولكن الحلم العوني لم يتحقق وثمة خشية من أن يصبح عدم إنتخابه كابوساً وأمثولة للسياسي الماروني الذي يُبرم تحالفات غير مؤمن بها لكنه مع ذلك يوهم نفسه بجدواها وعوائدها.

إنها مجرّد تمنيات يجد المرء مثل حالنا قلمه ينساب في تدوينها ونحن نعيش في زمن الحوار الذي لو صدقت النيّات وإنشرحت الصدور لما كانت الأزمة، أي أزمة لأي دولة عربية أو غير عربية إسلامية، تحتاج إلى أكثر من بضع جلسات، لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة. وعندما يتزاور المسؤولون الإماراتيون والإيرانيون فيما إيران تحتل ثلاث جزُر إماراتية وترفض حتى مبدأ مناقشة الأمر في إطار ودي ثنائي أو عبْر محكمة العدل الدولية، إلاَّ أن الجهات المعنية ترفض منْح وزير في الحكومة اللبنانية تأشيرة دخول، فإن التمنيات تصبح تساؤلات عن جدوى مثل هذه الخطوة تحدث في وقت يتطلب الوضع من الجميع الشروع في مرحلة تتآلف فيها القلوب وهذا هو الحد الأدنى المأمول من الرئيس عبد الفتاح السيسي السعي في سبيله كونه سيترأس أخوانه الملوك والرؤساء العرب بدءاً من يوم 28 آذار الجاري. وهو الأدرى بالنزف الحاصل في الجسم العربي عموماً، خصوصاً بعد التقييم الذي سمعه من خادم الحرميْن الشريفيْن الملك سلمان بن عبد العزيز خلال زيارته إلى الرياض يوم الأحد 1 آذار 2015، وكيف أن العلاج له يكون بالتآلف بدل التحالف وبالمناصحة بدل المناطحة. وبذلك يوفِّق الله الجميع.