لا نُريد لحرب اليمن أن تُفجِّر حرباً جديدة في لبنان، ولا نُريدها أن تُشعِل سجالاً بيزنطياً بين الأطراف السياسية المحلية، في ظل هذا الإنقسام العامودي غير المسبوق بين من يُؤيِّد المشروع العربي، ومن يُناصِر التمدُّد الإيراني في المنطقة.
ردود الفعل السلبية على عملية «عاصفة الحزم»، كانت متوقعة من أطراف محور «الممانعة والمقاومة» الذي تقوده طهران، والذي صعقته مفاجأة «العاصفة الحازمة»، حجماً (عشر دول)، وتخطيطاً (برنامج أولويات للضربات الجوية ناجح ومتفوّق)، وكثافة (حوالى 112 طائرة في الجو، وبوارج حربية في البحر)، ودقّة (فرض حظر جوي وبحري على الموانئ اليمنية في الجو والبحر خلال الساعات الأولى لبدء العمليات العسكرية).
الحماسة العربية التي برزت، بشكل عفوي وسريع من المحيط إلى الخليج، كانت متوقعة، بعد عطش الجماهير العربية إلى مبادرة تُعيد للأمّة كرامتها، وتستعيد بعض التوازن المفقود في معادلة الإقليم، بعد التدخّل الإيراني المتزايد في الشؤون الداخلية العربية.
الإجماع الدولي، وما حظيت به «عاصفة الحزم» في عواصم القرار الدولي، بما فيها واشنطن، الذي يفاوض وزير خارجيتها مع نظيره الإيراني على إتفاقية الملف النووي، وملحقاتها الإقليمية الأخرى-!!-، هذا الإجماع الدولي لم يكن في حسبان المحور الإيراني، الذي شعر، ولعلّها منذ فترة، أنه معزول إقليمياً، ويُعاني من عزلة مُحكمة على المسرح الدولي، لم تنفع مناورات المفاوضات في لوزان، وقبلها في جنيف، في التخفيف من قيودها!
* * *
كالعادة حاول المحور الإيراني، في إطار الهجوم على «عاصفة الحزم»، أن يجعل من القضية الفلسطينية «حائط مبكى»، بحجّة أن طهران قدّمت للفلسطينيين في غزة، عبر حماس طبعاً، ملايين الدولارات سلاحاً وعتاداً، مالاً ودعماً، في وقت العرب غائبين عن مسرح الدعم، لحماس طبعاً!
ولكن يبدو أنه غاب عن بال السيّد حسن نصر الله، وكل المتكلمين باسم المحور الإيراني، أن التدخّل الإيراني في القضية الفلسطينية أدّى إلى نتيجتين مدمّرتين للقضية الأم، فضلاً عن الخراب والدمار الذي لحق بغزة الباسلة وأهلها الأشاوس، في حربين متلاحقتين، لم تتوفّر فيهما أدنى مقاييس المجابهة والصمود للجانب الفلسطيني.
النتيجتان المدمّرتان يمكن اختصارهما بالعنوانين التاليين:
{{ الأولى – شطر الجسد الفلسطيني الموحّد إلى قسمين متخاصمين، بل متجابهين: الضفة الغربية، وقطاع غزة بجهة ثانية، وتمكين حماس من الإستيلاء على السلطة فيه، وتقويض الشرعية، على غرار ما فعل الحوثيون في اليمن!
{{ والثانية – إضعاف السلطة الفلسطينية الشرعية في رام الله، وإظهارها أمام المفاوض الإسرائيلي بأنها لا تملك كل الأوراق الفلسطينية، وأن القطاع بكامله هو خارج سيطرتها، بل أكثر من ذلك، هو مصدر تخريب المفاوضات عبر القصف الصاروخي المتكرّر، والذي أدّى إلى حربين خلال أقل من ثلاث سنوات، مارس خلالهما العدو الإسرائيلي أبشع أنواع جرائمه ضد الشعب الفلسطيني في غزة وقراها، تحت أبصار ومتابعات المحور الإيراني، وخطاباته النارية المعروفة!
لا ضرورة للحديث عمّا قدمته المملكة العربية السعودية، قيادة وحكومة وشعباً من دعم ومساندة للقضية الفلسطينية، ولأهلها المظلومين، فكل فلسطيني، وكل سعودي، يُدرك جيداً حجم الدعم الفعلي، وطبيعة العلاقات التاريخية بين الشعبين الشقيقين!
* * *
استفاض المتحدثون والخطباء بإسم المحور الإيراني، في اتهاماتهم للسعودية، واعتبار العملية العسكرية الحالية بمثابة عدوان سافر على اليمن – كذا – لإخماد ثورة الحوثيين ضد السلطة التي يرفضها الشعب… إلى آخر المعزوفة المعروفة!
لا ندري إذا كان ثمّة تواطؤ بين طرفين سياسيين: الحوثيين وعائلة الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، يصحّ اعتباره «ثورة»، رغم كل ما توفّر لهما من سلاح، في حين هبّت الأكثرية الساحقة من اليمنيين، في صنعاء ومدن يمنية أخرى، للتظاهر ضد انقلابهم على الشرعية، فجابه المتواطئان الرفض الشعبي بأساليب الحديد والنار، وإطلاق الرصاص الحيّ على المواطنين العُزّل، وسقط الشهداء في العاصمة اليمنية وعواصم المحافظات الأخرى، بالعشرات، مدافعين بأرواحهم ودمائهم عن وحدة بلادهم واستقلالها!
وغاب عن بال الممانعين أن الجغرافيا السياسية التي تحكم الجوار السعودي – اليمني، وأواصر العلاقات الأخوية بين الشعبين الشقيقين، والتداخل المعيشي والإجتماعي والإقتصادي بينهما، يجعل من الأمن اليمني جزءاً لا يتجزأ من الأمن السعودي، وبالتالي فإن اهتمام السعودية باستقرار اليمن، هو متابعة طبيعية للإهتمام باستقرار المملكة.
والذين يتابعون العلاقات التاريخية بين الشقيقتين المتجاورتين يعلمون أكثر من غيرهم، حجم المليارات من الدولارات التي قدّمتها الرياض لدعم الإقتصاد اليمني، ولتشجيع مشاريع الإنماء والتحديث في مختلف المناطق اليمنية، فضلاً عن تبنّي المئات من مشاريع البُنى التحتية، التي ساهمت في نقل اليمن إلى العصر الحديث.
لا ندري كيف يحق لإيران مثلاً، أن يخوض حرسها الثوري، المعارك في العراق، بحجّة دعم الشرعية ضد الإرهاب، وغير مسموح للمملكة أن تستجيب لطلب الشرعية اليمنية بالتدخّل لإنقاذها من تواطؤ الحوثي وصالح، وما يمارسانه من إرهاب موصوف، ضد الشعب اليمني.
لا ندري كيف تحالف محور «الممانعة» مع الجيش السوري في لبنان، طوال عقود من الزمن، وتقبّلوا مقولة الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد بأن «أمن سوريا هو من أمن لبنان»، وأن الجيش السوري في بلد الأرز يحمي أمن سوريا واستقرارها!
* * *
لقد تحمّلت المملكة العربية السعودية الكثير، من خلال تمسّكها بسياسة التهدئة والتروّي تارة، وبتغليب لغة الديبلوماسية على ما عداها من أساليب أخرى مشروعة، في التعامل مع الجموح الإيراني المتزايد تارة أخرى.
ولكن كل تلك المحاولات لم تنفع في الحدّ من اندفاعة المشروع الإيراني، وإقناع طهران بالعودة إلى سياسة التفاهم والحفاظ على العلاقات الطبيعية مع الجوار الخليجي.
وكان لا بد أن تأتي الساعة التي ترفع فيها السعودية قبضتها، متجاوبة مع الصرخات العربية الهادرة ضد التمدّد الإيراني!
كفى تلاعباً بأمننا..،
كفى استفزازاً لاستقرارنا ومستقبلنا..،
وكفى تسلطاً على شعوبنا وأوطاننا!!